ما تعرضت له إحدى الفتيات المحجبات بعد نشر صورة لها فسرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي بلامبالاتها بضحية الاعتداء الإرهابي الذي وقع في بريطانيا مؤخراً، تجسد تماما حقيقة الأزمة المتنامية في العلاقة بين الإسلام والغرب.
القصة أن الفتاة كانت تمر بجانب أشخاص يسعفون أحد مصابي الاعتداء الإرهابي في لندن، والتقطت صورة لها وهي تتحدث في الهاتف المحمول، واتخذ عشرات الآلاف من هذه الصورة فرصة للهجوم على الإسلام والمسلمين ووصفهم بأبشع الصفات.
هذه الصورة هي نموذج يفسر الكثير مما يدور حولنا في الأزمة المتفاقمة في العلاقة بين الإسلام والغرب، ورغم أنه تم نشر صور لاحقة للفتاة توضح "صدمتها" مما حدث، وأن حديثها في الهاتف ليس سوى تعبير عن خوفها مما يحدث من حولها، ورغم نشر تصريحات لها تفسر حقيقة ما حدث وتنفي قطعيا مزاعم هؤلاء، فإن الأثر الذي سعى إليه البعض من وراء نشر وترويج هذه الصورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي قد حدث بالفعل.
ومن ثم فإن في ذلك ملاحظات عديدة، أولها أن غالبية المعلقين من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي قد اختزلوا الإسلام والمسلمين في صورة فتاة أو شخص واحد، وهذه هي الكارثة والمغالطة التي يقع فيها الجميع. فرغم براءة هذه الفتاة مما نسب إليها من مزاعم خبيثة، فإن من غير الصواب ولا المنطق بناء حقائق واستنتاجات حول دين ينتسب إليه نحو 1.6 مليار مسلم وفقاً لردة فعل شخص واحد، فهذا هو قمة الغباء والاستهتار والنوايا السيئة المبيتة.
الأمر الثاني أن اللقطة المصورة عكست قدر التربص بالمسلمين بشكل هائل، فالصورة ذاتها قد ضمت أشخاصا يقفون بنوع من اللامبالاة، بل وبدرجة تفوق ما ظهرت عليه “فتاة الصورة” بمراحل لأنهم كانوا يتابعون ما يحدث حولهم، ولكنهم اكتفوا بالمشاهدة وقد وضعوا أياديهم في جيوبهم من دون أي حراك يذكر للتفاعل مع المشهد الصادمة بجوارهم.
الأمر الثالث يرتبط بفكرة استهداف الإسلام والمسلمين بالهجوم الإعلامي والدعائي بشكل عام، فهذه المسألة في غاية الخطورة على أمن المجتمعات الغربية، وينبغي أن ينتبه الساسة اليمينيين لعواقب أفكارهم، التي لا تقل خطورة عن أفكار داعش والقاعدة وتنظيمات الإرهاب الأخرى، فهي أفكار إقصائية تهمش الآخر وترفضه، وتدمر موروث التعايش، الذي توصلت إليه الحضارة الغربية بعد حروب عصور الظلام التي سادت لقرون عدة وتسببت في مقتل الملايين من الأشخاص.
رغم ما ينطوي عليه التفاعل مع الصورة مع دلالات سلبية، فإنه لم يخل من إيجابيات أهمها أن المصور جيمي لوريمان ذاته الذي التقط صورة الفتاة، قد بادر إلى التوضيح ونشر صور أخرى توضح حقيقة مشاعر الفتاة المصدومة عقب الاعتداء، كما ظهر في أكثر من وسيلة إعلامية لتوضيح حقيقة ما حدث، بحيث لعب دور الإطفائي المتمكن عقب اشتعال حريق الفتنة الدينية في وسائل التواصل الاجتماعي، وخرج للجميع ليقول صراحة “إنها تبدو مرعوبة بشكل واضح ومن المؤكد أنها في حالة صدمة. ولم تكن الشخص الوحيد الذي يمشي وكان يبدو وكأنها تريد فقط النزول من الجسر في أسرع وقت ممكن. التقطت ثلاث صور حيث يمكنك أن ترى المرأة وأعتقد أنها تبدو حزينة في كل منها”.
نزع الرحمة والتسامح عن دين بكامله لمجرد تفسير ضيق مبتور لصورة يمكن التلاعب بها تقنياً مسألة تجسد حجم التربص والترصد الذي شحنت به عقول ضيقة في الغرب، حيث بات هؤلاء بمنزلة فتيل قابل للاشتعال في أي وقت، ولا نستغرب أن حركات معادية للإسلام تتنامى في دول أوروبية عدة ولا ينتبه المجتمع لخطرها والرد الحاسم الصارم الذي يفترض أن تقابل وتواجه به.
الربط لم يقتصر على حالة صورة الفتاة، بل نجد البعض أيضاً قد بادر إلى الربط بين المملكة العربية السعودية والإرهابي الذي ارتكب الجريمة لمجرد أنه عاش في المملكة لعام أو عامين مر عليهما نحو عشر سنوات، وتناسى هؤلاء أنه بالأساس مواطن بريطاني ولد وعاش حياته كلها وسط هذا المجتمع.
مسألة ربط الإسلام بممارسات سيئة ليست في الغرب فقط، فهي منتشرة بكثافة في عالمنا العربي والإسلامي أيضاً، وعلينا الحذر، فالمسألة لا علاقة لها بالغرب بل بالقبول بفكرة التعايش والتسامح، لذا فأنا لا أتهم الغرب كله بالعداء للإسلام والمسلمين، ولكن علينا أن نعترف أن هناك موجة عداء في هذا الاتجاه تتنامى هناك، وعلى الغرب أن يعمل على وأد هذا التوجه، الذي يعزف على نفس نغمة تنظيمات التطرف والإرهاب في عالمنا الإسلامي، فهما توجهان متحالفان عملياً، وإن كان يعاديان بعضها البعض ظاهرياً، فمصلحتهما مشتركة وأهدافهما واحدة، وتتمثل في إشعال صراع وحروب دينية.
الثابت أنه ليس من مصلحة أحد إشعال صراع ديني، والنفخ في نار الوقيعة بين الإسلام والغرب، فبريطانيا على سبيل المثال لن تستطيع البقاء كنموذج للتعايش والتعددية إن تفاقمت نيران الوقيعة في ظل وجود نحو 5 ملايين مسلم يعيشون في هذا البلد.
ربما نجحت ردود العقلاء وتدخلات المصور في وأد فتنة فتاة الصورة في بريطانيا، ولكن في مناطق ودول أخرى هناك العشرات من المشاهد الصغيرة التي تتراكم لتنتج لنا كارثة هائلة على مستوى الأمن الاجتماعي.