في مارس الماضي، وقفت المندوبة الأمريكية لدي الأمم المتحدة نيكي هايلي متحدثة امام مؤتمر اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للعلاقات العامة (إيباك) لتقول إن الكل في مبني المنظمة الدولية يهابها وأنها »انتعلت الحذاء بكعب عال ليس من أجل الموضة ولكن لركل أي شخص أراه يوجه انتقاداً خاطئاً لإسرائيل»!
هايلي دخلت الأمم المتحدة ولديها موقف مسبق قائم علي أن المنظمة »تتحيز مع الفلسطينيين» ولكنها اكتشفت بعد دخولها أن هذا التحيز الذي يسكن خيالها يبدو »بدرجة أكبر بكثير مما كانت تتوقع»، وبعدما نالت القدر الأكبر من التصفيق واصلت هايلي تصريحاتها النارية قائلة »إن زمن مصارعة إسرائيل انتهي»! متباهية بأن سفراء الدول الأخري يخشون ذكر قرار مجلس الأمن بشأن المستوطنات أمامها خوفاً من ردها (كانت تشير إلي القرار رقم 2334 الذي يطالب إسرائيل بوقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويصفها بأنها تعد 'انتهاكاً صارخاً بموجب القانون الدولي وعقبة كبري أمام تحقيق حل الدولتين وإحلال السلام العادل'. كما ينص القرار علي أن أي تغييرات علي حدود عام 1967، 'لن يُعترف بها إلا بتوافق الطرفين، واتخذ القرار في 23 ديسمبر 2016 أي في نهاية عهد إدارة أوباما التي امتنعت عن التصويت وعدم استخدام حق الفيتو ضد القرار رغم مطالبة فريق ترامب الذي لم يكن قد تولي منصبه رسمياً)، وقالت إن »زمن مصارعة إسرائيل انتهي». وأكدت هايلي في خطابها، أن إدارة الرئيس ترامب تختلف تمامًا عن إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في كل ما يتعلق بالتعامل مع إسرائيل، قائلة »يوجد شريف جديد في المدينة».
هذه هي الخلفية التي تفسر بوضوح تصريحات المندوبة الأمريكية الدائمة التي خرجت عقب اجتماع مجلس الأمن بشأن القدس لتقول إن الأمم المتحدة تقوض دعائم وفرص السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، وقالت هايلي »إن المنظمة واحدة من أكثر المعاقل الدولية عداء صريحا لإسرائيل»، ولم تتوقف عند ذلك بل ارتدت ثوب »محامي تل أبيب» قائلة إن »إسرائيل لن تجبر أبدا من قبل الأمم المتحدة أو أي منظمة أخري علي القبول باتفاق سلام يهدد أمنها».!! واللافت أن بعد حديثها هذا تحدثت هايلي عن أن الولايات المتحدة تمتلك صدقية لدي كل من الإسرائيليين والفلسطينيين كوسيط في عملية السلام، متهمة الأمم المتحدة!
من الواضح ان هايلي استشعرت من خطابات مندوبي الدول الأعضاء في مجلس الأمن أن هناك شكوكاً تحيط بصدقية بلادها كوسيط نزيه للسلام في الشرق الأوسط، فأرادت إغلاق الباب أمام أي محاولة لإحياء دول الأمم المتحدة قائلة إن »إسرائيل لن تكون جزءا، ولا ينبغي أن تُرهب لتكون جزءا من اتفاق عبر الأمم المتحدة أو اي مجموعة من البلدان التي اثبتت استخفافها بأمن إسرائيل». وتشير إلي موقف إسرائيل فقط رغم أنها تحدثت عن صدقية الولايات المتحدة لدي طرفي العملية وليس لدي إسرائيل فقط!
من حق السيدة صاحبة الكعب العالي أن تدافع عن مصالح إسرائيل كما تشاء، فالتحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل مسألة ليست عابرة ولا طارئة في علاقات البلدين، ولكن الجديد هو التكتيك الذي تدافع به هايلي عن مصالح حلفاء بلادها، فأسلافها في المنصب مثل سوزان رايس وسامانتا باور كانتا تدافعان عن مصالح إسرائيل لدي المنظمة الدولية بكل قوة ولكن ليس من خلال خسارة الحلفاء الآخرين، وليس من بوابة تفتقر إلي الدبلوماسية في التعامل مع قوي دولية أخري!
بعيداً عن كلمات ومواقف أعضاء مجلس الأمن، فإن نيكولاي ملادينوف مبعوث الأمم المتحدة الخاص للشرق الأوسط لم يقدم دعماً للفلسطينيين علي حساب إسرائيل بل حذر فقط من حدوث تصعيد عنيف في المنطقة إثر قرار ترامب الأخير، وقال ملادينوف في جلسة مجلس الأمن التي ناقشت القرار »ثمة خطر داهم اليوم من أننا قد نري سلسلة من التصرفات الأحادية التي من شأنها أن تبعدنا عن تحقيق هدفنا المشترك وهو السلام».
هذا التقييم الموضوعي للموقف هو ذاته التقييم الأمريكي الذي كان يسبق قرار ترامب، بل إنه موقف إدارة ترامب ذاتها، التي كانت قد تعهدت قبل قرارها الأخير بشأن القدس بعدم تبني خطوات أو مواقف من شأنها التأثير سلباً في فرص إحلال السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي! وتحليلي لانفعال هايلي في مجلس الأمن انها استشعرت صعوبة موقفها وعزلتها فلم تجد سوي اللجوء للهجوم علي الأمم المتحدة وتصعيد التأييد الأمريكي لإسرائيل من أجل كسب مزيد من النقاط لدي الحلفاء الإسرائيليين لأنه لم يكن أمامها أي فرصة للدفاع عن قرار الرئيس ترامب بشأن القدس وليس لديها أي وجهة نظر مقنعة أو حتي شبه مقنعة