عقب أي جريمة إرهابية اعتدنا من يطالب من بعض الساسة، ولاسيما في الغرب، بعدم التسامح مع الإرهاب، ما يستدعي بالتبعية سؤالًا بديهيًا: هل يتسامح أحد مع الإرهاب؟ ومن هي الأطراف أو الدول أو القادة الذين يتسامحون مع هذه الظاهرة الخبيثة؟
الظاهرة أن هناك إدانة عالمية ضد الإرهاب، والظاهرة أيضًا أن العالم يتبنى موقفًا موحدًا ضد العنف والإرهاب، ولكن على أرض الواقع هناك تباينات كبيرة وملحوظة، وهناك جبهات عدة تقف في معسكرات مختلفة يؤكد كل من محاربة الإرهاب، فأي الفريقين أو الفرق يواجه الإرهاب وأيهم الأقرب لحقيقة ما يعلنه؟
الخوض في هذه الأمور يثير تعقيدات وإشكاليات معروفة للباحثين والمراقبين، ولكن هناك في المقابل أمور لم يعد الصمت عنها فضيلة مستحبة، فقد بلغ الخطر مداه وذهبت الأطراف الراعية للإرهاب إلى مساحات بعيدة في خططها ومؤامراتها، وبات السكوت مجازفة بخسارة المزيد والمزيد من الأرواح بل والدول!
كثيرة هي المؤتمرات والندوات والمحاضرات والاستراتيجيات التي صيغت من أجل مكافحة الإرهاب، واعتقد أن التوصيات والمقترحات والرؤى والتصورات بل والأموال التي أنفقت على هذا الموضوع كفيلة بتسليح جيش ضخم قادر على استئصال شراذم الإرهابيين في كل دول العالم ومناطقه، فماذا حدث إذًا من أوجه تقصير تتسبب في استمرار تنظيمات الإرهاب على قيد الحياة؟ وكيف ينتقل خطر هذه التنظيمات وفلولهم من دولة لأخرى بحرية تفوق حرية اللاجئين الفارين من الحروب والصراعات التي تسبب فيها واشعلها هؤلاء المجرمين؟!
لا نستطيع عمليًا أن نقول أن هناك مساحة من التسامح العلني العالمي مع الإرهاب، ولا أحد يمكنه القطع بذلك، ولكن المتاح والظاهرة فعليًا أن هناك مصالح تحول دون إحكام القبضة الدولية على تنظيمات الإرهاب، وبموازاة ذلك هناك اختلاف وتباين حول توصيف الإرهاب كظاهرة معقدة، وذلك للتداخل والتعقيد الشديد بين تنظيمات الإرهاب وتنظيمات "المقاومة"، وانتقال التنظيمات التي تمارس فعل "المقاومة"أحيانًا كثيرة إلى مربعات يصعب إنكار توصيفها ضمن نطاق الإرهاب، فضلًا عن الخلط الذي تمارسه بعض الدول مثل إيران، في تمويل وتسليح ميلشيات وتنظيمات وحركات إرهابية بدعوى أنها تنظيمات تقوم بالدفاع عن دولها وأوطانها وشعوبها.
هناك، على سبيل المثال، مغالطات رئيسية في النموذج الإيراني وعلاقته بالأذرع المؤدلجة في عالمنا العربي على سبيل المثال، ولنأخذ "حزب الله"اللبناني، الذي لا ينكر أحد أنه دفاع عن لبنان في مرحلة ما ضد الاعتداءات الإسرائيلية، ولكن من قال أن الدفاع عن الوطن يجب ان يترجم إلى نفوذ سياسي على الدولة؟ ومن قال بأن حزبًا طائفيًا يمتلك السلاح ويحتفظ به بعد انتهاء الصراع ويبقى نفسه جيشًا موازيًا للجيش الوطني بل يتفوق عليه في جوانب كثيرة، ويمارس العمل السياسي عبر توظيف كامل لترسانته وقوته العسكرية؟ ومن قال أن الأسلحة ذاتها التي حاربت يوما دفاعًا عن وطن له السلطة والغلبة في الصراع السياسي الداخلي؟ ومن قال أن هذه الميلشيات التي يفترض أنها تعمل داخل نطاق الدولة اللبنانية تحصل على تصريح إيراني وتنتقل لخوض حرب في دولة أخرى؟ ومن قال أن هذه الميلشيات الطائفية لها سلطة التعاون عبر الحدود مع ميلشيات أخرى مثل "جماعة الحوثي"في اليمن؟ فضلًا عن قيامها بالقفز على دور الدولة اللبنانية وتقديم مساعدات عسكرية لحركة "حماس"الفلسطينية، وهي مساعدات لا تقدمها سوى الدول بغض النظر عن الأغراض والأهداف والجوانب السياسية والوطنية والقومية في المسألة!
"جماعة الحوثي"وعلاقتها بإيران مثال آخر فاضح وكاشف، ويطرح تساؤلات كبيرة من مثل: هل تسليح إيران لهذه الجماعة وتشجيعها على الانقلاب على الشرعية الدستورية في اليمن "عمل مقاوم"؟ ومن كانت تقاوم هذه الجماعة؟ ألم تنقلب على الشعب اليمني وتقوض المبادرة الخليجية والجهود الدولية الرامية لتحقيق الأمن والاستقرار؟ وكيف يمكن لدولة مسؤولة أن تؤسس وتنظم وتسلح تنظيمًا داخل دولة أخرى كي يستولى على السلطة تنفيذًا لأهدافها الاستراتيجية ثم تتذرع بأنه فصيل وطني يقوم بعمل "مقاوم"؟ ثم لو افترضنا جدلًا أن مزاعم إيران وتخرصات قادتها صحيحة فلم لم تتخذ من منصة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بوابة لعرض قضيتها كما يفعل العرب الآن في تعاملهم مع الاعتداءات الإيرانية؟
شخصيًا اعتقد أن العرب لم ينتبهوا إلى خطر انتشار التنظيمات والجماعات والميلشيات سوى بعد أن كشفت هذه التنظيمات عن وجهها القبيح عقب فوضى عام 2011، فالكل كان ينظر إليها باستهانة ولا يقدر خطرها الحقيقي وكونها أذرع خبيثة غرست في الجسد العربي كي تقوم بدورها في تفكيك الدول ونشر الفتن في يوما ما، وهو ما حدث بالفعل!