ليس جديداً ما يفعله أفيخاى أدرعى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى، على صعيد وسائل التواصل الاجتماعى، حيث اشتهر ادرعى بنشاطه الإعلامى الواسع باللغة العربية، والسبب فى ذلك انه من مواليد حيفا من أصول عراقية ـ تركية، كما درس حتى المرحلة الثانوية باللغة العربية !
ادرعى يجيد اللغة العربية بطلاقة شديدة، ويواظب على التفاعل خلال الأحداث والمناسبات السياسية والدينية والرياضية والفنية، ويتابعه أكثر من مليون متابع بحسب بعض التقارير.
من الواضح أن أدرعى يدرك حدود مهمته جيداً، ونجح بخبث شديد فى التغلغل بهدوء إلى صفوف شريحة ليست قليلة من الجمهور والإعلاميين العرب، كما تجاوز مرحلة العداء الأولية فى التعامل معه وانتقل إلى مرحلة الشد والجذب مع جمهور المتابعين، وهو يدرك تبعات هذه المرحلة حتى لو انتهت إلى سباب وشتائم يتعامل معها بحرفية مهنية شديدة لأنه يدرك هدفه النهائى ولا يتعامل بشكل عفوى، فهو ضابط استخبارات بالأساس، وتخصص فى التعامل مع وسائل الاعلام العربية.
يستخدم أدرعى مفردات الثقافة العربية الإسلامية بحرفية أيضاً، فكثيراً ما يوظف آيات القرآن الكريم ويستشهد ببعض الأحاديث النبوية فى تغريداته، كما يطلق النكات ويلجأ إلى مداعبة بعض المتابعين.
أدرعى بخلفيته العسكرية يبقى ظاهرة إعلامية تستحق الدراسة لأنه "نموذج" (بغض النظر عما إذا كان إيجابياً أو سلبياً) فى فتح قنوات حوار مع الآخر، وهو ملف يحظى باهتمام خاص لدى الجيش الإسرائيلي، الذى يستغل الانترنت فى كسر حدة العداء والعمل على تحطيم صورة إسرائيل كعدو للشعوب العربية، اعتماداً على فاعلية وسائل التواصل الاجتماعي، واعتمادها على شريحة واسعة من الجمهور، ومقدرتها على بناء حالة تواصل واتصال مباشر بين الجانب الإسرائيلى والجمهور العربى من دون تدخل "النخب" العربية، التى يمكن أن تعرقل هذا التواصل فى ضوء مواقفها التقليدية المعروفة تجاه "التطبيع" مع إسرائيل.
يدرك الجانب الإسرائيلى أن الجمهور العريض لشبكات وسائل التواصل الاجتماعى غالبيته من الشباب، وهم شريحة ربما لا تمتلك حالة العداء والوعى الجمعى ذاته الموجود لدى الأكبر سناً، وبالتالى يتم التركيز على التغلغل وسط هؤلاء المراهقين والشباب والتواصل معهم مباشرة، من دون وسيط، سعياً لتحقيق أهداف محددة بدقة.
فكرة الدبلوماسية العامة، التى تراهن عليها إسرائيل هى فكرة حيوية وذات أبعاد حيوية خطيرة فى الوقت ذاته، وحققت اختراقات مهمة، ويكفى أن الجيش الإسرائيلى بكل ما يعنيه لدى أى عربى من معان واستدعاءات لحالة العداء القومى بين العرب والإسرائيليين، بات يمتلك أداة إعلامية يمكن أن تنتج محتوى تتداوله شريحة من الشباب العربى حتى ولو من باب الرفض والاستنكار!!
تراهن حملات العلاقات العامة المدروسة التى ينفذها ادرعى بدقة على عامل الوقت فى "تذويب" الرفض والعداء، والانتقال إلى حالة "حياد عاطفى" أو حالة اللا حب واللا كراهية، وهى بمنزلة انجاز نوعى حقيقى فى حال تحققها بالفعل!!
من خلال قراءاتى عن ظاهرة "ادرعي" أدركت أنه يقوم بدور مهم فى استكشاف تحولات الرأى العام العربي، وقياس مستويات التغير فى المزاج العام حيال إسرائيل، والعمل على إحداث تغيرات حقيقية وفق الأهداف الإسرائيلية الخاصة بإذابة حالة العداء مع العرب.
مؤخراً، شاهدت "فيديو" منتشر عبر موقع "تويتر" للمتحدث العسكرى باسم الجيش الاسرائيلى يحاول فيه إظهار مهاراته فى قواعد اللغة العربية والنحو والصرف!! ظاهر الدرس أو الجانب الظاهرى فيه هو الحديث عن قواعد اللغة، ولكن جوهر الأمر كان "تمرير" رسائل معينة مدروسة بدقة للتغلغل فى عقول الشباب والتسلل إلى أفكارهم بهدف كسر الصورة النمطية المستقرة فى أذهانهم تجاه إسرائيل، أو تفكيك تلك الصورة وإعادة بنائها، لاسيما وأن هذا الأمر يبدو بسيطاً فى ظل نظريات علم النفس الحديثة، التى يمكن الاستعانة بها فى مجال الاعلام والدعاية السياسية.
بدلاً من التساؤل حول تسلل افيجاى أدرعى لمتابعى وسائل التواصل الاجتماعى فى العالم العربي، فللحقيقة لا مجال للوم إسرائيل وجيشها على خططه لبناء صورة ذهنية معينة لدى الشعوب العربية، ولا السعى للرد على ما يثار حوله فى وسائل الاعلام العربية، ولكن الأجدى هو التساؤل: هل يمتلك العرب معادلاً موضوعياً لذلك لمخاطبة الرأى العام الإسرائيلى ؟! للأسف لا يوجد بل لا يوجد آلية إعلامية فعالة لمخاطبة الرأى العام الغربى والعالمى عبر المنصات الإعلامية الأكثر شهرة وفاعلية فى القرن الحادى والعشرين .