بعد ساعات من تصريح زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، الذي قال فيه إنه "يحتفظ بزر القنبلة النووية على مكتبه دائما حتى لا تتمكن الولايات المتحدة من بدء الحرب"، مشيراً إلى أن ذلك ليس تهديداً وإنما تعبير عن حقيقة، رد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن لديه "زر نووي" أكبر وأقوى بكثير مما لديه"، وأن الزر الذي يملكه "أكثر فاعلية".
عقب تصريحات كيم مباشرة، طلب الصحفيون من الرئيس دونالد ترامب، في فلوريدا، على هامش الاحتفالات بأعياد الميلاد، التعليق على تصريحات كيم جونغ أون، فرد عليهم: "سوف نرى، سوف نرى"، ولكنه غرد بعدها بساعات في هذا الشأن، ليؤكد أن "التغريدات" التويترية هي منصته المفضلة للتعبير عن الرأي والموقف السياسي حيال القضايا والموضوعات المختلفة.
تصريح كيم ورد في خطاب متلفز له، أما رد ترامب فقد جاء في "تغريدة" وهذا الأمر ربما يعكس الفارق بين الجانبين ليس في مرتكزات القوة الشاملة للدولتين، وانما في نمط التفكير والنظر للأمور. واللافت أن ترامب قد انساق وراء كيم في الحديث عن موضوع الزر النووي بهذا الشكل!
لا اعتقد أن الرئيسين كانا جادين في اثارة الهلع بدليل أن الإعلام الدولي لم يتعامل مع تصريحاتهما هذه المرة بالجدية التي نقل عنهما بها تصريحات مشابهة في مرات سابقة، ويبدو أن العالم قد أدرك أن هناك حالة غير مسبوقة من "التهديد الإعلامي" أو "الخطابي" وانه لا يجب الالتفات اليها كثيرا!
ما أسهم في الحد من جدية تصريحات الزعيم الكوري الشمالي أنه قد استهل خطابه بالإشارة إلى الزر النووي ولكنه كان خطاب تهدئة في مجمله، فقد فتح فيه باباً للحوار، وقال إن بلاده "متفتحة للحوار"، وأعلن أن كوريا الشمالية قد ترسل منتخبها للمشاركة في الألعاب الأولمبية الشتوية.
قال كيم جونغ أون أن بلاده حريصة على الإسراع في "إنتاج الرؤوس النووية والصواريخ الباليستية ونشرها". ولكنه قال في المقابل، إن العلاقات مع كوريا الجنوبية قد تتحسن في العام المقبل. وتأكيداً على رغبته في استئناف الحوار أعلن بعدها مباشرة إعادة فتح الخط الساخن بين البلدين، الأمر الذي قوبل بترحيب من قبل كوريا الجنوبية، التي اعتبرت أن فتح خط الاتصال بين الكوريتين، خطوة "مهمة جدًا" لاستئناف الحوار المتوقف مع بيونج يانج، وقال رئيس المكتب الصحافي للرئاسة يو يونغ-شان إن "إعادة العمل بالخط الساخن أمر مهم جدًا"، وأضاف أن هذه الخطوة "تخلق أجواء تسمح بالاتصال بين سلطات الكوريتين في كل الأوقات".
هذا التوجه يمثل تطوراً ايجابياً في الأزمة الكورية الشمالية، واللهجة بدت مختلفة بشكل كبير عن مرحلة التوتر السابقة، ما يعد أحد النتائج المباشرة للعقوبات الدولية الأكثر تشدداً التي فرضتها الأمم المتحدة على كوريا الشمالية مؤخراً، حيث أقر مجلس الامن الدولي بالإجماع في 22 ديسمبر 2017 السلسلة الأحدث من العقوبات المشددة على كوريا الشمالية ردا على التجارب الصاروخية الأخيرة المتكررة لها، ومن بين العقوبات التي تضمنها القرار اجراءات ستؤدي إلى تخفيض وارداتها من النفط بنسبة 90 في المئة.
الأرجح أن الحديث عن "الزر النووي" الكوري الشمالي بمنزلة تمهيد للدخول في مفاوضات مباشرة، واستهدف تعزيز الموقف التفاوضي لبيونج يانج في ظل عروض الوساطة الدولية لتسوية الأزمة، حيث تحدثت بعض التقارير الإعلامية عن دعوة روسية لكوريا الشمالية والولايات المتحدة للتفاوض في روسيا على الملفات الخلافية، وأغلب الظن أن هذا الأمر يمثل امتداداً لدور روسيا الجديد في المنطقة والعالم، حيث باتت تتجه إلى تصعيد دورها ومكانتها ونفوذها، وملء الفراغ الاستراتيجي الناجم عن انحسار التأثير الأميركي في بعض الملفات الدولية، وغياب القيادة الأميركية عن البعض الآخر، فضلاً عن أن عرض الوساطة الروسي يمثل أيضاً طوق نجاة أو إشارة من الرئيس بوتين لتخليص الرئيس الأميركي ترامب مما يحيط بأزمة كوريا الشمالية من احتمالات للتصعيد العسكري.