البعض انتقد الرئيس ترامب واتهمه بالجهل بالجغرافيا لأن الصحراء الكبرى تمتد عبر العديد من الدول الافريقية التي لا تتقاسم أي حدود مع أسبانيا.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب اقترح على إسبانيا الى تشييد جدار فاصل على “حدودها” مع الصحراء الكبرى في أفريقيا، على غرار الجدار بين الولايات المتحدة والمكسيك، للحد من الهجرة غير الشرعية دون أن يأخذ بعين الاعتبار امتداد تلك الأراضي على بلدان متعددة لا تتقاسم أي حدود مع اسبانيا.
وسائل الاعلام نقلت عن وزير الخارجية الاسباني جوسيب بوريل قوله إنه رد على اقتراح ترامب بالقول: "هل تعلم كم هي كبيرة الصحراء الكبرى؟"فجاء جواب ترامب مثيرا اذ قال: "لا يمكن أن تكون أكبر من حدودنا مع المكسيك".
فكرة الجدران العازلة قد تبدو الخيار الأكثر فاعلية لمنع الهجرة غير الشرعية، ولكنها ليست البديل الاستراتيجي الأمثل في مجمل الأحوال، فإقامة الجدران قد تمنع بالفعل المهاجرين غير الشرعيين، ولكنها لا تمنع وجود قنابل بشرية قابلة للانفجار على حدود الدول الجاذبة للمهاجرين غير الشرعيين، ولا توفر الأمن لهذه الدول على المدى البعيد.
باعتقادي أنها فكرة مضادة تمامًا لفكرة العولمة والقرية الكونية الصغيرة، حيث التفاعل بين الحضارات والثقافات والاستفادة من كل موارد العالم لمصلحة كل سكانه، ولا أنفى أن هذه الفكرة غارقة هي الأخرى في المثالية وتستبعد الإشكاليات التنموية التي تعانيها معظم مناطق العالم، ولا تضع بدائل للتعامل مع الفجوات التنموية الهائلة التي تغذي ظواهر سلبية مثل الهجرة غير الشرعية، مثل الفقر وغياب التنمية والصراعات والعنف وتفشي الإرهاب والفوضى وغياب الدول في كثي رمن مناطق العالم المكتظة بالسكان.
الصحراء الغربية ـ على سبيل المثال ـ تمتد لنحو خمسة آلاف كيلو متر في القارة الافريقية وتشمل نحو 12 دولة افريقية، فهل يمكن بناء سور يفصل كل هذه الكتلة البشرية عن بقية العالم؟! وكيف يمكن فهو هذا الجدار ثقافيًا وحضاريًا؟! ألن يكون تكريسًا للانقسام وإعلانًا رسميًا لانهيار كل المواثيق والمبادئ والقوانين التي قامت عليها منظمة الأمم المتحدة منذ عام 1945لإرساء السلم العالمي والاسهام في قضايا التنمية المستدامة!
لا يمكن في المقابل انكار التحدي الاستراتيجي الناجم عن الهجرة غير المباشرة، والتي تفرز أعباء وتحديات كبيرة بالنسبة للدول التي يستهدفها المهاجرين غير الشرعيين في أوروبا الغربية وغيرها، لاسيما أن بعض هذه الدول تعاني أزمات اقتصادية طاحنة مثل إيطاليا واسبانيا، ومن ثم فإن من المنطقي الاعتراف أيضًا بحق هذه الدول في البحث عن آليات لوقف الهجرة غير الشرعية إليها.
علينا أيضًا أن القضية تمثل تحديًا لأطراف عدة منها دول المعبر التي يتخذ منها المهاجرين غير الشرعيين ممرًا للوصول إلى أهدافهم، فضلًا عن أن القضية ذات تشعبات كبيرة لارتباطها بموضوع حقوق الانسان بكل ما يثير من حساسيات وخلافات وتباينات في وجهات النظر بين الدول.
اعتقد أن المعالجة أزمة الهجرة غير الشرعية بحاجة إلى حلول وبدائل دولية مبتكر، فأفكار مثل مراكز استقبال اللاجئين قد تكون حلولًا مؤقتة ولكنها ليست ناجعة تمامًا في انهاء ظاهرة "قوارب الموت"التي تعبر البحار حاملة المهاجرين غير الشرعيين إلى شواطئ الدول المستهدفة.
المستقبل يحمل الكثير من النمو لظاهرة الهجرة غير الشرعية بسبب اخفاق النظام الدولي في انهاء العديد من الصراعات والنزعات، وانتشار الفوضى وتوسع ظاهرة غياب الدولة في كثير من المناطق، فضلًا عن أسباب بيئية مثل التغير المناخي وأسباب اقتصادية مثل التدهور الاقتصادي وندرة فرص العمل وانتشار البطالة وغير ذلك، ومن ثم فإن منحنى الظاهرة يتجه إلى مزيد من الصعود خلال السنوات المقبلة ما لم يتم التوصل إلى آليات أكثر فاعلية تضمن معالجة الأسباب الحقيقية للظاهرة من جذورها بدلًا من التعاطي مع أعراض الأزمات التي تعانيها الدول والمناطق المصدرة للهجرة غير الشرعية.