يبدو موقف الأمم المتحدة ومنظماتها في اليمن مسألة محيرة بالفعل لأي مراقب أو مهتم باليمن الشقيق، فالمنظمة الدولية وأطقمها الإنسانية تحديداً تتعامل مع الأوضاع على الأرض بشكل يفتقر إلى المهنية والاحترافية وتساوى بين من يبذل كل الجهد لتقديم الدعم والمساعدة للشعب اليمني انطلاقاً من اعتبارات وروابط أخوية تفوق حسابات السياسة والمصالح الاستراتيجية وغير ذلك من محركات النزاعات والصراعات والأزمات، وبين ميلشيا إرهابية تسعى لاختطاف شعب أكمله لمصلحة تحقيق أجندة دولة أجنبية تمتلك أطماع توسعية واضحة في اليمن وغيره من الدول العربية!
المفترض ألا تعمل المنظمات الدولية من دون الأخذ بالاعتبار بيئة الأزمات ودوافع أطرافها والجهود التي يبذلها كل طرف من أجل التوصل إلى تسوية سياسية لهذه الأزمات، ولكن أن تصدر المنظمات الدولية تقارير تتحدث عن أوضاع إنسانية وغير ذلك استناداً إلى تقارير مجهولة المصدر واحصاءات موجهة من أطراف بعينها، فهذا يشكك في صدقية تقارير المنظمة الدولية وينال بالتالي من قدرتها على لعب دور الوسيط المحايد في مذل هذه الأزمات المعقدة.
يدرك التحالف العربي قبل الأمم المتحدة حقيقة الأوضاع الإنسانية في اليمن، والشاهد على ذلك حجم المساعدات الضخمة التي قدمتها دول التحالف العربي للأشقاء اليمنيين، وعلى سبيل المثال، فقد قدمت دولة الامارات العربية المتحدة خلال الفترة من أبريل 2015 إلى أبريل 2018 مساعدات لليمن بلغت قيمتها نحو 13.82 مليار درهم (3.76) مليارات دولار استهدفت مساعدة ما يزيد على 13.8 مليون يمني، منهم 5.3 ملايين طفل. وسبق أن أشادت الأمم المتحدة نفسها بمساهمات دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية الشقيقة واستجاباتهما الإنسانية السريعة في اليمن، وأكدت أن هذه المساهمات دعمت نحو 7 ملايين يمني شهرياً خلال عام 2017، وبخلاف المساعدات السابقة فقد قدمت الامارات 465 مليون دولار من نحو 2.1 مليار دولار إجمالي تكلفة خطة الأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية لليمن، فضلاً عن المساعدات اللوجستية التي تقدمها قوات التحالف العربي لتسهيل تقديم المساعدات الانسانية.
في الشهر الماضي، انهارت مفاوضات للتوصل لاتفاق سلام في اليمن في جنيف بعدما رفض الحوثيون المشاركة لأسباب واهية، ومع ذلك لم تصدر الأمم المتحدة بياناً رسمياً يدين ممارسات الحوثي، اعتقاداً منها بأن الاستجابة لمماطلات الحوثي ومحاولات كسب الوقت ستسهم في بناء الثقة وعقد اجتماع جديد!
لا شك أن ملايين اليمنيين يعانون الجوع والفقر بسبب تعنت ميلشيات الحوثي وعدم رغبتها في السلام وإصرارها على ارتهان مستقبل اليمن لأغراضها وأهدافها التآمرية الخبيثة فكيف يمكن أن يتبنى مجلس حقوق الانسان بالأمم المتحدة موقفاً يساوي بين طرفي الأزمة ويصوت لمصلحة تمديد مهمة الفريق الأممي في اليمن رغم ثبوت انحياز تقارير الفريق وافتقارها إلى الدقة والاحترافية التي تليق بدور منظمة الأمم المتحدة.
الحقيقة أن الأوضاع في اليمن تحتاج إلى معالجة أكثر احترافية من فرق الأمم المتحدة المعنية بمجال حقوق الانسان، فلا يعقل أن يساوى خبراء المنظمة الدولية بين جيوش احترافية تعمل وفق قواعد اشتباك معلنة، وبين ميلشيات تجيد فن المراوغة والتهرب من المسؤولية، وتعمل على تأزيم الأوضاع انسانياً بالأساس من أجل حشد الضغوط الدولية ضد دول التحالف بغية تحقيق أهداف هذه الميلشيات للاستيلاء على الدولة اليمنية!
الأوضاع في اليمن معقدة للغاية، ومن الصعب على فرق الأمم المتحدة المعنية بحقوق الانسان التوصل إلى استنتاجات مؤكدة من خلال زيارة أو زيارتين والاستماع إلى شهود مجهولي الهوية! ما يترتب عليه إعداد تقارير مشكوك في دقتها وصحتها وتصب في مصلحة الطرف الحوثي لدرجة أن الحوثيين باتوا يركزون على تدبير الجرائم الإنسانية وتحميل مسؤوليتها للتحالف العربي، وقد تابعنا جميعاً كيف تك اكتشاف استخدام بعض مقرات الأمم المتحدة من جانب ميلشيات الحوثي التخفي والاختباء واستخدام الحاويات المخصصة للمساعدات الإنسانية في نقل الأسلحة والعتاد وغير ذلك من جرائم وممارسات يجب أن تنتبه لها جيداً الفرق الأممية، التي تغفل عن كثير من هذه الممارسات، ومن ثم فإن التصويت الأخير في مجلس حقوق الانسان لمصلحة تمديد مهمة فريق الأمم المتحدة المعني بالأوضاع الإنسانية في اليمن يضر بفرص التسوية السياسية ويشجع الحوثيين على التمادي في مخططهم التآمري ضد شعب اليمن الشقيق.