تمثل الزيارة المرتقبة لبابا الفاتيكان، الباب فرنسيس، إلى دولة الامارات في فبراير المقبل، للمشاركة في حوار عالمي بين الأديان حول "الأخوة الإنسانية"، محطة تاريخية فارقة في مسارات التعايش الإنساني والعلاقة بين الأديان السماوية.
ومثلما نجحت الامارات من قبل في أن تكون عاصمة عالمية للعمل الإنساني، بعد أن أصبحت منذ عام 2013 في المرتبة الأولى عالميا كأكثر الدول المانـحة للمساعدات الإنمائية الرسمية مقارنة بدخلها القومي الإجمالي، محققة قفزة تاريخية في مجال منح المساعدات الخارجية الأمر الذي صعد بها من المركز الـ 19 عالمياً في عام 2012 الى المركز الاول في عام 2013، فإنها تتجه بقوة إلى أن تصبح عاصمة عالمية للحوار بين الأديان من خلال ترسيخ الاحترام المتبادل، والعمل من أجل تعزيز السلم والسلام والأخوة والتسامح بين جميع البشر.
الحقيقة أنه ليس هناك دولة تدرك قيمة التسامح والتعايش بين البشر أكثر من الامارات وقيادتها الرشيدة، فهذه القيم الإنسانية النبيلة ليست شعارات ترفع في دولة الامارات، بل هي ثوابت متجذرة يرتكز عليها البناء الاتحادي منذ غرسها القائد المؤسس المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، فالقيم والمبادئ التي غرسها، طيب الله ثراه، باتت جزءاً لا يتجزأ من هوية الامارات والوعي الجمعي لشعبها، وقناعات قيادتها الرشيدة، التي تعمل ليل نهار على توفير كل أسباب السعادة والرفاهية لكل المواطنين والمقيمين على أرض الامارات، من دون تفرقة بين لون وجنس وعرق، وسعت منذ سنوات طويلة مضت إلى بناء دولة نموذج في التعايش الحضاري والإنساني بين أكثر من مائتي جنسية، من خلال أطر تشريعية وقانونية تنظم العلاقات وتنبذ التشدد والعنصرية وكراهية الآخر، ما جعل من الامارات واحة للأمن والاستقرار والتعايش الإنساني، واينعت التجربة وازدهر ثمارها إلى درجة بات من حق العالم أن يستفيد بها وأن يستنسخ دروسها ومعطياتها وصولاً إلى نتائجها وثمارها، كي ينعم بمزيد من الأمن والاستقرار وكي تتوقف الصراعات والحروب.
الزيارة التاريخية المرتقبة لبابا الفاتيكان إلى دولة الامارات ستفتح صفحة ومرحلة جديدة في العلاقة بين الأديان، وستكون إضافة نوعية هائلة للجهود التي تبذل على صعيد الحوار والتعايش بين الشعوب، ومثلما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة فإن "ازدهار السلام يتحقق بالتآلف وتقبل الآخر".
لاشك أن أحد أهم أسباب التفاؤل بهذه الزيارة التاريخية أن الحبر الأعظم يكن احتراماً وتقديراً كبيرين لدور الامارات على صعيد نشر قيم التسامح والتعايش، فهو يعتبرها قدوة ومثالاً ونموذجاً يحتذى في هذا الإطار، الأمر الذي يعني أن هناك قاعدة لتحرك عالمي مشترك لتشدين مرحلة جديدة من الحوار بين الأديان، لاسيما أن القيادة الرشيدة في الامارات تنظر باهتمام بالغ إلى هذه الزيارة التي وصفتها بالتاريخية، حيث اعتبرها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، خطوة مهمة لتعميق الاحترام المتبادل وترسيخ الحوار بين أتباع الأديان، بينما أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أن البابا رمز من رموز السلام والتسامح وتعزيز روابط الأخوة الإنسانية.
بابا الفاتيكان الحالي داعية سلام عالمي حقيقي، يؤمن برسالته في نشر الخير وتحقيق التقارب بين بني البشر، ومن المهم للغاية أن يعمل العالم الإسلامي على بناء جسور التقارب في ظل وجوده، لأن دوره وقناعاته السامية تتكامل وتتماهي مع رسالة الامارات ومبادئها التي تستهدف نشر السلام والتسامح بين البشر، وبالتالي فهناك أرضية مشتركة وثوابت يؤمن بها الجانبين، اللذين يمتلكان إرادة قوية على نشر رسالة السلام والحب والخير.
ولا شك أن توقيت الزيارة وأهدافها في هذه المرحلة المهمة والحساسة في التاريخ المعاصر تضفي عليها أهمية استثنائية بالغة، فلم يكن العالم، ومنطقة الشرق الأوسط تحديداً، بحاجة إلى جهود نشر السلام والتعايش والتسامح، أكثر من الآن، حيث تعاني منطقتنا الكثير من الصراعات والأزمات، وتقف العلاقة بين اتباع الأديان فيها على حافة هاوية، تحتاج إلى الحكماء والقادة الدينيين الذين يؤمنون بدور الأديان الحقيقي في تحقيق التفاهم والتقارب والتعايش بين البشر.
إنها مرحلة جديدة من التفاهم الإنساني تدشنها الزيارة التاريخية للبابا فرانسيس للإمارات في شهر فبراير المقبل.