لم تكن الجريمة الإرهابية التي وقعت في مصر مؤخراً مفاجئة، ليس لسبب سوي لأن الإرهاب لم يكف عن التخطيط لاستهداف مصر وشعبها طيلة الفترة الماضية، ولكن وقفت عمليات الرقابة والملاحقة الأمنية حائلاً بينه وبين تحقيق أهدافه طيلة الفترة الماضية، ولكن مهما كانت درجة الدقة الأمنية فإن هناك عمليات يمكن أن تنفذ وتبقي احتمالية الخطر قائمة بل وعالية أيضاً، حيث تؤكد التجارب أن الإرهاب آفة تتعرض لها معظم الدول بغض النظر عن اليقظة الأمنية التي تميز الأجهزة المعنية، وقد شاهد العالم كيف تعرضت دول أوروبية عدة لجرائم إرهابية خلال الفترات الماضية.
الفارق بين مايحدث في دولة مصر وأي دولة أوروبية أن البعض يبادر للتشكيك في كفاءة الخطط الأمنية، بينما يبادر الغرب إلي التكاتف والتضامن في مواجهة أي خطر إرهابي، ولا يتسرب للنفوس أية شكوك تجاه الكفاءة والمهنية التي تتسم بها المؤسسات الأمنية.
الإرهاب ظاهرة إجرامية ليست كغيرها من الظواهر، بحكم قدرتها علي التشكل والتلون بوتيرة تسارع غير عادية، فهو ليس كغيره من الجرائم التقليدية من حيث إمكانية رصد جرائمهم المحتملة والتعرف عليهم وتتبعهم والقبض عليهم بشكل استباقي، فالإرهاب غالبا ما يستعين بخلايا نائمة تكون غير معروفة للأجهزة الأمنية بحكم افتقارها للسوابق الأمنية، وبالتالي يصعب رصدها وتتبعها والتصدي لها بشكل استباقي.
الجريمة الإرهابية النكراء التي شهدتها مصر مؤخراً وراح ضحيتها ثلاثة سائحين فيتناميين ومرشد سياحي مصر وجرح نحو 12 آخرين من السائحين، الذين كانوا يستقلون أتوبيساً سياحياً وفي طريقهم لمشاهدة عرض »الصوت والضوء» بمنطقة الأهرامات، هي جريمة مخططة بدقة، وقد التقطت السلطات المصرية خيط التدبير عندما فطنت بسرعة إلي أن السيارة قد غيرت خط سيرها والابتعاد عن الطرق المؤمنة وارتياد طريق لم يدرج في خط سيرها الذي تم الإبلاغ به.
مثل هذه النوعية من الجرائم لا تحدث اعتباطاً، فالهدف هو نوعية جديدة من السياحية الآسيوية التي بدأت تغزو السوق السياحي المصري منذ زيارة الرئيس الفيتنامي داي كوانج لمصر خلال شهر أغسطس الماضي والاتفاق علي تعزيز الاستثمارات والتعاون المشترك في مجالات مختلفة منها السياحة، حيث عبر الرئيس المصري خلال تلك الزيارة عن رغبته في زيادة التدفقات السياحية الفيتنامية إلي مصر، وهذا ما حدث بالفعل حيث بدأت السوق تشهد انتعاشا نسبيا علي هذا الصعيد، ومن ثم كان لابد للمتربصين أن يفكروا في السعي لوأد أي بادرة أمل يمكن أن تنعش القطاع السياحي كي يستعيد عافيته ومن ثم يسهم في انتعاش الاقتصاد المصري.
الهدف إذن واضح ومحدد وهو إرهاب السائحين الفيتناميين وقطع الطريق علي مزيد من التدفقات السياحية الآسيوية لمصر، بحيث يبقي الحال علي ماهو عليه، ويبقي هذا القطاع الاقتصادي الاستراتيجي عاجزا عن الخروج من عثرته، ومن ثم استمرار أزمة الاقتصاد المصري وما تفرزه من عوامل احتقان داخلية بسبب الغلاء والتضخم وصعوبة تنفيذ الحكومة للخطوات المتبقية من برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يمضي بخطوات جادة وحقق نتائج إيجابية كبيرة خلال الأشهر والسنوات القلائل الماضية.
لن يتوقف الإرهاب عن مخططاته سواء في مصر أو غيرها من الدول، فقبل جريمة حي الهرم بالجيزة، استهدف الإرهاب وزارة الخارجية التابعة لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا، وهي الجريمة التي تبناها تنظيم »داعش»، ما يؤكد موقف الإمارات الثابت والداعم لمكافحة الإرهاب، وضرورة بذل المزيد من الجهود وتكثيف التعاون الدولي في مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة.
الحقيقة أن من الضروري أن تتوقف بعض الدول الكبري عن غض الطرف عن الأطراف الإقليمية الراعية للإرهاب، ويجب ان يدرك الجميع أن حسابات المصالح ومنطق المقايضات والصفقات لا مكان له عند التعاطي مع الجرائم الإرهابية، فالإرهاب لا وطن ولا دين ولا عقل له، ويمكن ان يستهدف أي دولة ويقض مضاجع أي شعب، ولا يمكن لحد الادعاء او الزعم بأن بلاده في مأمن من جرائم الإرهاب، وبالتالي فإن من العبث ترك الدول والأطراف التي تمول الإرهاب والتي توفر له منصات إعلامية وحاضنات لقادته وزعمائه ورموزه، فقد آن الآن لوقف كافة أشكال دعم الإرهاب وإعلاء مصلحة الشعوب كافة في العيش بأمن وسلام واستقرار.