يدرك المراقبون أن العلاقات بين دولة الإمارات العربية والقوى الاقتصادية الآسيوية تشهد تطورات مستمرة منذ سنوات، حيث تثمر كل زيارة يتبادلها قادة الجانبين عن تطور نوعي يوفر طاقة جديدة تضخ في شرايين هذه العلاقات، التي انتقلت من الأطر التقليدية إلى صيغ مختلفة من الشراكة الاستراتيجية، ثم عبور هذه المرحلة وصياغة أنماط تعكس عمق هذه العلاقات ووصولها إلى صيغ مثل “الشراكة الاستراتيجية الخاصة” كما هو الحال مع كوريا الجنوبية، و“الشراكة الاستراتيجية الشاملة” مثلما هو حاصل مع جمهورية الصين الشعبية.
الزيارة الأخيرة التي قام بها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، مثلت إضافة في هذا المسار وضخّت قوة دفع للشراكة الاستراتيجية بين الإمارات وكوريا الجنوبية، حيث تم خلالها توقيع 12 اتفاقية ومذكرة تفاهم، من بينها اتفاقية لبناء أكبر مشروع عالمي لتخزين النفط في الإمارات.
وقد حفلت هذه الزيارة الرسمية بالعديد من الإشارات الدالة على أن علاقات البلدين تتجاوز الأطر الرسمية لتشمل نظيرتها الشعبية، وتعكس مستوى رفيعا من الاحترام والتقدير الذي يكنه الجانب الكوري الجنوبي للشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حيث كانت مراسم الاستقبال الرسمية بمثابة تأكيد قوي على تقدير كبير للضيف الزائر.
كما أن تواتر اللقاءات التي جمعت بين ولي عهد أبوظبي والرئيس الكوري الجنوبي يعكس أيضا حرص الجانبين على إضافة زخم جديد للعلاقات كلما لاحت الفرصة وانتهت فرق العمل من دراسة ملفات التعاون المشتركة في مختلف المجالات، فاللقاء الأخير يعد الثاني بين الزعيمين خلال أقل من عام بعد القمة التي جمعتهما خلال زيارة الرئيس الكوري الجنوبي لدولة الإمارات في مارس 2018، والتي تم خلالها الاتفاق على صيغة “الشراكة الاستراتيجية الخاصة”.
الواضح أن الرئيس الكوري الجنوبي لديه رهان استثنائي على دور الإمارات الاستراتيجي كقاطرة تنموية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث اختارها كأول محطة يقوم بزيارتها في منطقتنا عقب توليه منصبه في مايو 2017. وهناك مرتكزات عديدة داعمة لعلاقات الشراكة الاستراتيجية الخاصة بين البلدين أولها مشروع “براكة” الذي يضم أربع محطات للطاقة النووية السلمية يقوم الجانب الكوري الجنوبي بإنشائها، وهو مشروع بالغ الأهمية بالنسبة لدولة الإمارات، حيث يوفر لها نحو 25 بالمئة من احتياجاتها المستقبلية من الطاقة الكهربائية، ويقوم بدور هام في تنفيذ خطط تنويع مصادر الطاقة بالدولة، وتقليل البصمة الكربونية ما يعزز استراتيجية البيئة والحد من الانبعاثات الكربونية.
ولابد أن إسناد مثل هذا المشروع للشريك الكوري يعكس مستوى الثقة وعمق الشراكة، التي لم تقتصر على هذا المشروع بل امتدت خلال الزيارة الأخيرة لولي عهد أبوظبي لتشمل الاتفاق بين شركة بترول أبوظبي الوطنية “أدنوك” وشركة “إس كي إنجنيرنغ آند كونستركشن” الكورية الجنوبية لبناء أكبر مشروع منفرد في العالم لتخزين النفط بسعة تبلغ 42 مليون برميل من النفط الخام في إمارة الفجيرة بقيمة 4.4 مليار درهم، ستصب نسبة تزيد على 50 بالمئة منها في الاقتصاد الإماراتي.
أحد أهم أبعاد هذه الشراكة أن هناك تماثلا في نموذج التنمية بالدولتين وتشاركا في أهدافهما، حيث تتبنى الدولتان فلسفة قائمة على نشر الأمن والاستقرار والاعتماد على التنمية باعتبارها المدخل الأساسي لتحقيق السلام، ونشر قيم التعايش ونبذ العنف والتطرف والإرهاب.
دولة الإمارات هي أكبر شريك تجاري لكوريا الجنوبية في الشرق الأوسط، وثاني أكبر مزود بالنفط لكوريا، وهي الدولة الوحيدة التي تقيم معها كوريا الجنوبية علاقات شراكة استراتيجية خاصة، والمؤكد أن آفاق العلاقات والتعاون الثنائي تشير إلى أن الأطر المستقبلية للتعاون ستحلق عاليا بهذه العلاقات، خصوصا في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والابتكار وقطاعات الاقتصاد والدفاع والعلوم والثقافة والتعليم والطاقة الجديدة والمتجددة؛ حيث يشير تنوع هذه العلاقات إلى قوة مرتكزاتها.
في ضوء هذا التعاون بين بلدين واعدين اقتصاديا وتنمويا، نجد أنفسنا أمام نموذج يحتذى به في العلاقات الدولية حيث تعمل الدول جنبا إلى جنب من أجل توظيف التنمية من أجل رفاه الشعوب. كما أن التقدير الكوري لدولة الإمارات، قيادة وشعبا ونموذجا تنمويا، يعكس المكانة الرائدة التي تتمتع بها الدولة، بين القوى العالمية المحبة للسلام.