رغم كثرة الأحداث والتطورات على الساحة العالمية فى الأشهر الأخيرة، فإن قضية تحديد مصير الإرهابيين الأجانب الذين ذهبوا للقتال ضمن صفوف "داعش" و"القاعدة" وبقية تنظيمات الإرهاب فى سوريا خلال السنوات الأخيرة، تظل واحدة من الملفات المعقدة والمتشابكة التى شغلت ولا تزال دول عدة فى العالم ينتمى لها آلاف الإرهابيين فى سوريا بعد أن أوشك الصراع هناك على الانتهاء وطويت تماماً صفحة الدولة الداعشية المزعومة.
الرئيس الشيشانى قاديروف يتبنى موقفاً لافتاً، حيث يدعم حملة البحث عن النساء الروسيات اللاتى فى سوريا والعراق، واعتقد شخصياً أنه يفعل ذلك بحكم خبرته تجربته الشخصية العريضة مع الإرهاب فى الشيشان، حيث يدرك أن ترك هؤلاء لمصيرهن وإغلاق باب العودة فى وجهن لا يعنى انتفاء الخطر تماماً، بل ربما يعنى تأجيله أو تجميده، بحيث يبقى احتمال تحول هؤلاء إلى مصدر لتهديد مصالح روسيا قائماً وربما بدرجة أخطر، حيث يمكن أن ينتقلن إلى مناطق أخرى يصعب تعقبهن فيها، فضلاً عن أن وجود أكثر من ألف طفل يعنى وجود احتمالية عالية كى يشب هؤلاء الأطفال فى بيئة حاضنة للإرهاب والتطرف، وبالتالى يصبحون نسخة ربما أشد خطراً وجيل أكثر فتكاً من الجيل الحالى للإرهابيين، علاوة على أن خبرة قاديروف جعلته يدرك ديناميات عمل تنظيمات الإرهاب، وأن النساء سافرن إلى معاقل تنظيمات الإرهاب فى سوريا اتباعاً لأزواجهن وليس بمبادرات ذاتية على أغلب الأحوال.
التقارير الإعلامية تشير إلى أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين يدعم فكرة إعادة الأطفال بينما لم يصدر ما يفيد دعمه لفكرة عودة نساء "داعش"، ولكن فى مجمل الأحوال فإن روسيا أكثر انفتاحاً على مناقشة فكرة عودة مواطنيها العائدين من سوريا مقارنة بالدول الغربية لسبب ربما يرجع لخبرة روسيا الكبيرة فى دراسة فكر وطبيعة تنظيمات الإرهاب وآليات تطورها وتحورها من جيل لآخر، كما تمتلك أجهزتها الأمنية موروث هائل من خبرات التعامل مع الإرهاب.
وقد تابع العالم أجمع تحديداً خلال الفترة القليلة الماضية حالة شيمية بيغوم الطالبة البريطانية من أصول بنغالية، والتى انضمت إلى صفوف "داعش"، منذ أربع سنوات عندما كانت مراهقة، وهدى مثنى الأمريكية من أصول يمنية، التى انضمن لداعش أيضاً منذ خمس سنوات، والاثنتان لم يسمح لهما بالعودة إلى بلديهما بريطانيا والولايات المتحدة.
قناعتى الذاتية، كباحث، أن فكرة عودة الارهابيين تبقى محفوفة بالأخطار، وليس من السهل تقبلها رغم أنها تبقى أكثر واقعية على المدى البعيد مقارنة بفكرة الرفض التام لهذه العودة، ولكن علينا أن نلحظ أن العودة تتطلب جهوداً أمنية هائلة ومستمرة لمراقبة هؤلاء وإعادة تأهيلهم ودمجهم ومحاسبتهم قانوناً أن ثبت تورطهم فى جرائم إرهابية أن كن من النساء، وهذا الأمر ليس سهلاً على الإطلاق، لاسيما أن الأمر يتعلق بمئات الحالات وربما آلاف كما فى حالة الروسية وحالات أخرى من دول غربية تشير التقديرات إلى أن رعاياها فى سوريا يقدرون بأكثر من ألف داعشى، فالتقديرات تقول أن هناك نحو خمسة آلاف يحملون جنسيات دول أوروبية انخرطوا فى صفوف تنظيم "داعش" خلال السنوات الماضية لم يعود منهم سوى نحو 1800 تقريباً، والبقية إما قتلواً أو انتقلوا إلى مناطق أخرى فى ليباى وغيرها، أو ما زالوا فى سوريا، ما يعنى أننا بصدد معضلة أمنية فى جميع الأحوال.
والأمر لا يقتصر على النساء بل أن أطفال الأسر الداعشية ليسوا حالة بسيطة، بل يحتاجون إلى ميزانيات كبيرة لإعادة تأهيلهم نفسياً وتخليصهم من بذور الفكر الإرهابى المتطرف والمشاهد المروعة التى نشأوا فيها، وإعادة دمجهم فى المجتمعات وضمان تحصينهم تماماً ضد الفكر المتطرف.
هذه المعضلة الأمنية المعقدة اعتقد أنها تتطلب استجابة دولية مشتركة، إذ أن بحث كل دولة عن حل منفرد يخص رعاياها ربما يفاقم المسألة تعقيداً وينجح بعض الإرهابيين فى الإفلات من شبكة الملاحقة الدولية واستغلال ثغرات فى الملاحقات الفردية للدول، كما أن السماح أو عدم السماح باستقبال العائدين لا يعنى انتهاء المشكلة، فالعودة أيضاً تحتاج ميزانيات ضخمة للرقابة وإعادة التأهيل النفسى والاجتماعى للأطفال والنساء، وبالتالى فإن من الممكن إنشاء محكمة دولية متخصصة تحت إشراف الأمم المتحدة، بحيث تقوم هذه المحكمة بمحاكمة من يعتقلون أو يستسلموا فى سوريا من الإرهابيين، كما تختص كذلك بتحديد مصيرهم وفقاً للقانون الدولى وبحيث تصبح هذه المحكمة معنية بقضايا الإرهاب والإرهابيين ويمكن أن تضم قضاة من دول مختلفة وتستفيد بخبرات جميع الدول فى التعامل مع الإرهابيين الأجانب.