يبدو أن تفشي جائحة "كورونا" (كوفيد 19) قد كشف عن تهافت العديد من الشعارات والمفاهيم والمصطلحات التي ظلت لسنوات طويلة تتصدر البيانات الصادرة عن الاجتماعات والقمم العالمية، مثل التعاون الدولي والمنافع والمصالح المتبادلة وغير ذلك وطغيان المصالح الفردية للدول وعودة الصراعات التي ميزت حقب تاريخية سابقة.
في مواجهة أزمة "كورونا" ظهرت ممارسات وسلوكيات لا تليق بالحديث المتواتر عن الحضارة والتقدم الإنساني والقيمي والأخلاقي، حيث قامت بعض الدول بقرصنة شحنات مستلزمات طبية ضرورية متجهة لدول أخرى، بدعوى حاجتها إليها، كما قامت دول بالتعتيم على المعلومات وسمحت للمرضى بالانتقال إلى دول أخرى مجاورة بما أسهم في نشر الوباء وتفاقم حالات الإصابة بشكل يفوق القدرات الصحية لهذه الدول.
الأمر لم يقتصر على ذلك، بل امتد ليشمل صراع الدول الأكثر تقدمًا على الفوز بسبق اكتشاف العلاج والأمصال، حيث برزت الحمائية الأوروبية في وجه محاولات أمريكية للحصول على خدمات مختبرات أبحاث طبية ألمانية، كما غابت تمامًا أي فرص للتعاون وتبادل المعلومات والخبرات ما أسهم في إطالة أمد الأزمة بسبب العمل في مسارات متوازية!
مؤخرًا، حذرت وكالات أمن في الولايات المتحدة من أن الصين تسعى إلى سرقة أبحاث أمريكية حول ابتكار لقاح أو علاج لفيروس كورونا، وأوضحت أن مكتب التحقيقات الفيدرالي يجري تحقيقا في عمليات قرصنة رقمية نفذها أفراد تربطهم صلة بالصين، واستهدفت مؤسسات بحثية أمريكية وشركات أدوية تشارك في مكافحة فيروس كورونا. وقال بيان أصدره مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الأمن الإلكتروني وأمن البنية التحتية إن المنظمات التي تجري أبحاثا على المرض تلقت تحذيرات من "استهداف محتمل واختراق من جانب جمهورية الصين الشعبية".
الصين من جانبها، اعترضت على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية، تشاو لي جيان، على الادعاءات الأمريكية، وقالت "نحن نقود العالم في علاج فيروس كورونا وبحوث اللقاحات، فمن غير الأخلاقي استهداف الصين بشائعات والتشهير بها مع عدم تقديم دليل".
وبغض النظر عن صحة هذه الاتهامات من عدمه، فإنها تمثل جولة جديدة وعلامة خطيرة من علامات الانقسام الدولي في مواجهة تفشي الفيروس، الذي يبدو أنه أصبح واقعًا لا فكاك منه بسبب غياب الحكمة وانعدام الجهود الرامية لتوحيد العالم في مواجهة الخطر.
ربما يكون العالم قد خسر بشريًا واقتصاديًا بشكل غير مسبوق، ولكن الخسارة الافدح، برأيي، هي تعمق الخلاف والصراع الدولي على خلفية تفشي الفيروس، حيث أصبح الحديث عن الثقة المتبادلة والتعاون المشترك جزء من الماضي كما هو واضح في نبرة الخطاب السياسي العالمي في الفترة الراهنة، كما أصبحت المنظمات الدولية المتخصصة بعيدة تمامًا عن الشأن العالمي وهذا كله ينذر بما هو أخطر لأن العالم لم يخرج بعد من الأزمة، بل إن ما عشناه حتى الآن منها ربما يكون قمة جبل الجليد التي تخفي الكثير من التداعيات تحتها.
كل هذه التطورات تدعوني للقول بأن الظروف العالمية الراهنة لا تبعث على الاطمئنان، وأن من الضروري أن تبادل الدول العربية والخليجية إلى ايجاد استراتيجية خروج من الأزمة بدلًا من العمل فرادى، فالأمن والاستقرار الاقليمي ليس بعيدًا عن تأثيرات هذه الأزمة على المدى المتوسط، وعلينا أن ننتبه إلى ضرورة تنسيق الجهود وتبادل المعارف والخبرات والاتفاق على مجموعة من الاجراءات التي تضمن الحد من التأثيرات المتوقعة.
ورغم أنني أدرك حجم الصعوبات بل والالغام التي تحيط بأي عمل عربي جماعي، فإن الظروف الراهنة تبدو مغايرة وتحتاج من الجميع إلى فكر وتخطيط مختلف، فعالم ما قبل كورونا ليس كما بعده كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله.
ولعل في الاتفاق على حد أدنى من الخطوات التنسيقية على الصعيد الخليجي والعربي للخروج من الأزمة يمثل ضمانًا للحد من تأثيرات ماهو آت خصوصًا أن العالم لم يعبر الأزمة بل يحاول القفز عليها ما يعني أن جميع الاحتمالات تبقى واردة ولو بنسب متفاوتة، فالعالم على أبواب نظام عالمي جديد لا محالة، وعلينا أن نتفق على حد أدنى لمصالح شعوبنا ودولنا.