من تابع التصريحات التي أدلى بها مؤخراً وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، في مقابلة أجرتها معه قناة "الجزيرة" القطرية، يدرك تماماً مدى الشعور الرسمي التركي بالفشل وخيبة الأمل جراء تصدي الدول العربية الفاعلة للمشروع التوسعي التركي في ليبيا، والحيلولة دون سيطرة "السلطان" على الثروات والموارد النفطية للشعب الليبي الشقيق.
يقول الجنرال آكار في تصريحاته إن الامارات قد "أضرت بليبيا وسوريا"، وليته ماقال ذلك، لأن العالم أجمع شاهد عيان على الطرف الرئيسي الذي أضر، ولا يزال، بالبلدين العربيين الشقيقين، فلا الامارات هي من اجتاحت الأراضي السورية وتحتل جزء غال من أراضيها بذريعة ملاحقة من تصفهم أنقرة بالمتمردين، ولا هي أيضاً من دفعت بجحافل الميلشيات الارهابية والمرتزقة وجلبتهم من كل حدب وصوب إلى الأراضي الليبية وزودتهم بالأسلحة والعتاد الذي تحملت فاتورته الخزانة القطرية اقتطاعاً من أموال وثروات الشعب القطري!
الكل يعلم أن جمهورية مصر العربية، والمملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة تعمل جميعاً على تحصين والدفاع عماتبقى من منظومة الأمن القومي العربي وتتصدى لمشروعات الهيمنة الاقليمية التي ترتدي رداء طائفياً مثلما هو الحال بالنسبة للمشروع التوسعي الايراني، أو ترتدي رداء استعمارياً تقليدياً بالياً مثلما عليه الحال بالنسبة لحلم "السلطان" التركي رجب طيب أردوغان. والكل يعلم كذلك أن الشريان الرئيسي لتغذية مخطط الفوضى غير الخلاقة والاضطرابات في منطقتنا العربية كان يبدأ من أنقرة، ويمّول من الدوحة، ويحظى بمباركة ودعم إيراني لتشارك الأهداف وتقارب الأحلام والمخططات والمشروعات الاستراتيجية للهيمنة، والهادفة للسيطرة على موارد ومقدرات الشعوب العربية وإعادة "هندسة" الجغرافيا العربية والاستيلاء على مناطق الثروات الطبيعية فيها، واستخدموا في ذلك دمى وأذرع اقليمية طائفية وارهابية تطمح كانت تطمح للوصول إلى السلطة منذ عقود وسنوات طويلة، ولذلك فإن تفعيل دور الفواعل العرب الرئيسيين في الوقت المناسب ابتداء من يونيو عام 2013، بدعم ومساندة المملكة العربية السعودية ودولة الامارات لثورة الشعب المصري الشقيق على حكم المرشد، وإطاحة نظام الإخوان المدعوم من تركيا، لتنضم مصر الشقيقة الكبرى لهذه الجهود القومية المباركة وتضطلع بدورها الرئيسي كركيزة للأمن القومي العربية وحصن أساسي من حصونه، كان هذا التفعيل بمنزلة حائط صد منيع في وجه الأحلام الاستعمارية التركية والايرانية التي سعت للانقضاض على العواصم العربية واحدة تلو الأخرى.
اللطمة الكبرى للمشروع التركي بدأت من انهيار حلم التنظيم الدولي للإخوان في القبض على مفاصل السلطة في أكبر الدول العربية سكاناً ... لذا نقول نعم تفخر الامارات وتعتز بدورها في مساندة الشعوب العربية ودعم جهودها في انتزاع حصها في حياة كريمة تليق بها بعيداً عن مشروعات الهيمنة الاستعمارية للتنظيمات الارهابية العميلة والجماعات الطائفية التي تعمل لمصلحة قوى إقليمية لا تضمر سوى الشر للشعوب العربية جميعاً. ولذلك فإن تخرصات الجنرال آكار وقوله بأن الامارات قد اضرت بليبيا وسوريا ليست في الحقيقة سوى اعترافات رسمية تركية بدور الامارات في صون وحماية الأمن القومي العربي، بل هي وسام على صدر الامارات ومبعث فخر لها.
أما الادعاء الفارغ بأن تركيا "ستحاسب الامارات على مافعلته في الوقت والزمن المناسبين" فليس سوى محاولة واهية لحفظ ماء الوجه، بعد انهيار المشروع التركي الاقليمي، فضلاً عن رغبة آكار في إرضاء النظام الحاكم في قطر بمنحه مادة للصراخ والضجيج الاعلامي مقابل المزيد من الأموال القطرية للخزانة التركية التي تعاني بشدة جراء الانفاق العسكري غير المبرر على مخططات توسعية خارجية محكوم عليها مسبقاً بالفشل وخيبة الأمل.
وكمراقب سياسي، كنت أود أن يفضح الجنرال آكار في تصريحاته عن الطرف الذي يقصده في ادعاءه الكاذب بأن الامارات "تخدم غيرها سياسيا وعسكريا، ويتم استخدامها واستغلالها عن بُعد"، وهو يعلم تمام العلم من هي "الدولة الوظيفية" التي تخدم غيرها، وهو يعلم تماماً أيضاً أن حديثه لا يخص الامارات في شىء، بل يمس، بل ينطبق على، ممولي القناة التلفزيونية التي فتحت أبواقها ليتحدث للعالم من خلالها، فلا يوجد مراقب أو متخصص سياسي موضوعي يستطيع أن يقول أن الامارات لاعب اقليمي يعمل لمصلحة أطراف دولية أو اقليمية أخرى؛ فبلد زايد الخير ـ طيب الله ثراه ـ كانت ولا تزال وستظل ـ دوماً بإذن الله، حصناً حصيناً من حصون حماية الأمن القومي العربي والدفاع عن مصالح الشعوب العربية، وهذه المبادىء الأصيلة التي اثق أن الجنرال التركي لا يعرف قيمتها ومدى رسوخها وتجذرها في الوعي الجمعي الاماراتي ووجدان قيادتنا الرشيدة، هي المحرك الأساسي لسياستنا الخارجية حيال الأشقاء العرب جميعاً، لا تفرقة بين دعمنا للشعب اليمني ولا الليبي ولا المصري ولا السوري ولا الفلسطيني، ولا غيرهم من الشعوب العربية الشقيقة، فالهدف واحد والغاية ثابتة وواضحة، حيث غرس القائد المؤسس لدولة الامارات المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ـ طيب الله ثراه ـ الأساس القوي لما تمضي عليه قيادتنا الرشيدة من أبنائه الكرام ـ حفظهم الله جميعاً، فالامارات التي تعتز بمواقفها التاريخية في مساندة القضايا العربية والدفاع عن مصالح الأشقاء العرب أينما وحيثما وجدت، تنطلق من قناعة راسخة بأن أمن الامارات جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي، لذا فالامارات لا تتردَّد مطلقاً في مساندة أشقائها بكل ما تستطيع من جهد وما تملك من إمكانيات؛ لمواجهة مصادر التهديد القائمة والمحتملة، واعود في ذلك إلى قول صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة -حفظه الله- توضيحاً لما اقصده، حيث أكد سموه، أن "دولة الإمارات العربية المتحدة تؤمن بأن أمنها الوطني جزء من الأمن القومي العربي، وأن بناء موقف عربي قوي للتعامل مع متغيِّرات المنطقة وتحولاتها هو السبيل للحفاظ على المصالح العربية العليا، وتحصين المنطقة ضد التدخلات الخارجية"، وهذا ما يفسر للجميع دوافع الامارات التي تختلف تماماً عن بواعث الطامعين بقول سموه إن الامارات تحرص "على التنسيق والتعاون الكاملين مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والدول العربية الأخرى؛ من أجل تعزيز قدرة العرب على حفظ أمنهم القومي في منطقة تعيش حالة من التحول الكبير، وتعاني مصادر خطر متعددة".
هذه رسالتي للجنرال التركي لعله يدرك بعضاً مما يحرك الامارات سياسياً في تعاطيها مع محيطها العربي، انطلاقاً من ثوابت ومبادىء أصيلة.