لا أدرى لماذا تقوم وزارة الدفاع التركية بالرد على بيان رسمي صادر عن وزارة الخارجية البحرينية تستنكر فيه تهديدات وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، ضد دولة الامارات بسبب مواقفها القومية المشرفة في ليبيا وسوريا؛ فالمتعارف عليه، بروتوكولياً ودبلوماسياً، أن وزارات الخارجية في كل الدول هي الجهة المعنية بالتعامل مع المواقف والتصريحات الصادرة عن دول أخرى، والمسألة هنا لاتخضع لقاعدة التماثل الجهوي، بمعنى أن أي مواقف أو أمور تخص وزارة الدفاع على سبيل المثال فهي شأن يخص هذه الوزارة، بل إن كل مايخص السياسة الخارجية وعلاقات الدول بعضها ببعض هو اختصاص أصيل لوزارات الخارجية، والحالة التركية ليست استثناء من هذه القاعدة.
في حالات مماثلة، يمكن للبعض الادعاء بأن هناك حمائم وصقور في المؤسسات الرسمية للدول، وأن هذه المؤسسة تتبني مواقف اكثر تطرفاً وتشدداً من تلك وهكذا، بمعنى أن هناك صراع وتباين مواقف يدفع هذه الوزارة للصمت والأخرى للحديث والبوح بموقفها، ولكن مثل هذا التفسير لا ينطبق على الحالة التركية، فالكل أسير إشارة السلطان، ويتمنى رضاه ولا يفعل سوى ما يوجه به، فهم بالأخير حاشيته ومريديه، وبالتالي لا يبدو رد وزارة الدفاع التركية على بيان صادر عن وزارة الخارجية البحرينية مستغرباً، ولكنها مجرد نقطة عابرة تلفت الانتباه في هذا الشأن.
المهم أن وزارة الدفاع التركية، وهي الجهة المنوط بها شؤون الدفاع، وليس إدارة العلاقات السياسية مع الدول الأخرى، اعتبرت أن وصف مملكة البحرين الشقيقة لدور دولة الامارات بـ"البنّاء"، هو محاولة "مؤسفة وغير مجدية"، مشيرة إلى أن ردة الفعل التركية تجاه مواقف الامارات "محقّة"! وأن "البيان الصادر عن وزارة الخارجية البحرينية بشأن تصريحات أكار خلال لقاء مع قناة الجزيرة أجراه في 31 يوليو /تموز الماضي، لا يعكس الحقائق".
الأغرب أن وزارة الدفاع التركية قد كررت في بيان رسمي تخرصات الوزير آكار حيث دعت دولة الامارات ومن وصفتهم بـ"الحكومات الداعمة لها" إلى "العودة إلى رشدها"، منوهة إلى ماتصفه بـ"الأخوة والصداقة القائمة بين الشعوب العربية وتركيا"! ولا ندري عن أخوة وصداقة يتحدث بيان وزارة الدفاع التركية، وهل هذه الأخوة المزعومة هي التي تدفع تركيا لاحتلال أراضي سوريا وليبيا والاعتداء على سيادة العراق والتهجم على الامارات ومملكة البحرين وتدبير المؤامرات ليل نهار ضد مصر؟ وهل هذه الأخوة والصداقة هي التي تفسر دعم السلطان التركي لتنظيم ارهابي انقلبت عليه الشعوب العربية ونبذته سياسياً ويصر هو على توفير كل سبل الحياة له والابقاء على أمل عودته للحياة رغم ما شهدته الشعوب العربية على يدي قيادات هذا التنظيم من فوضى واستقطاب بلغ حد الصراع الأهلى في بعض هذه الدول؟
يغضب السلطان وحاشيته من وصف سلوكهم تجاه العرب بالاستعلائي والاستعماري وهم من يوجهون سهام العداء والأحقاد التاريخية للشعوب العربية وقادتها ليل نهار، كما تستنكر وزارة الدفاع التركية موقف مملكة البحرين الشقيقة ودعمها لدولة الامارات في مواجهة الاستفزاز التركي رغم أن وصف تصريحات الوزير التركي وقوله بأن تركيا "ستحاسب الامارات على مافعلت في المكان والزمان المناسبين" ينضح بالعنجهية الفارغة ويعبر عن نهج استعماري مقيت عفا عليه الزمن، وأقل ما يقال عنه بالفعل أنه استفزازي!
نعم.. أيها الجنرالات الأتراك الذين دبجتم هذا البيان: تصريحات وزيركم تجاه الامارات عدوانية ولا تعبر سوى عن نفس حاقدة مريضة، ولتعلموا انكم لستم طرفاً مسؤولاً يمكن الوثوق في قدرته على الحكم على الأمور وحسن التدبير والتقدير واحقاق الحقوق وتحديد شرعية الأطراف المعنية في الدول، فأنتم بالأساس من منتهكي ميثاق الأمم المتحدة والمتجاوزين لقواعد القانون الدولي باحتلالكم للأراضي السورية ووجودكم العسكري غير الشرعي في ليبيا.
نقطة أخيرة: عندما أدلى وزير الدفاع التركي خلوصي آكار بتصريحاته المسيئة لدولة الامارات العربية المتحدة في إطار حديثه مع قناة "الجزيرة"، أدركت تماماً أن هذا الحديث المتلفز ليس سوى مناسبة مفتعلة من جانب النظام القطري ليطلق من خلالها الجنرال آكار بعض التهديدات الفارغة ضد الامارات، متجاهلين في ذلك الفوارق الكبيرة بين قيادة تعمل لمصلحة أمتها العربية وشعوبها وتستند على رصيد هائل من الاحترام والتقدير الاقليمي والدولي لمواقفها وسياساتها، ونظام يخشى أن يقضى أركانه ليلتهم في قصورهم من دون حماية عناصر الدرك التركي!
والحقيقة أنني التمس بعض العذر للسلطان وحاشيته في هذا الهذيان السياسي والانفعال غير المبرر الذي يدفعهم للتخبط وافتعال الأزمات، فشعبية السلطان وحزبه تنهار تدريجياً امام أعينهم، جراء المغامرات العسكرية التي تسببت في خراب الاقتصاد التركي وتدميره، فالشعوب تريد الخبز والحياة الكريمة ولا تعيش على إحياء مايسميه هؤلاء المغامرون الجدد بالحدود الروحية للامبراطورية العثمانية، والتاريخ سيحاسبكم على أخطائكم وسياساتكم المدمرة التي تسببت في نكبات ستظل الشعوب العربية تدفع ثمنها دهراْ طويلاً.