مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر المقبل، يتجه الخبراء والمتخصصين إلى تحليل "أفضليات" بعض الدول والتكتلات الرئيسية لمن يجلس على مقعد رئاسة القوة التي تنفرد بقيادة النظام العالمي القائم؛ وهنا تبدو دول مجلس التعاون في دائرة الضوء، حيث قرأت في الأيام الأخيرة الكثير من التحليلات التي تشير إلى أن هذه الدول تدعم بقوة إعادة انتخاب الرئيس دونالد ترامب لولاية رئاسية جديدة، وأن فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن قد يكون خبراً "غير سار" للعواصم الخليجية.
وإذا نظرنا إلى واقع العلاقات الخليجية ـ الأمريكية في سنوات رئاسة ترامب التي توشك على الانتهاء، فإننا سنلحظ تميزاً بالفعل في علاقات واشنطن مع دول مجلس التعاون، وخصوصاً المملكة العربية السعودية ودولة الامارات، وهذا التميز تدعمه رؤى ومواقف البيت الأبيض تجاه الشواغل الاستراتيجية الحيوية لدول "التعاون"، حيث تقاربت وجهات نظر الرئيس الجمهوري مع رؤى الرياض وأبوظبي بشأن التهديد الايراني الناجم عن التمدد الطائفي للملالي باتجاه دول عربية عدة في السنوات الأخيرة، كما تقاربت الرؤى أيضاً بشأن الاتفاق النووي الذي وقعته الولايات المتحدة وبقية دول مجموعة "5+1" مع نظام الملالي في عام 2015، من دون أن يتضمن هذا الاتفاق كبحاً حقيقياً للتهديدات الناجمة عن الطموحات النووية الايرانية، وكذلك خلوه من أي إشارة إلى الصواريخ الباليستية الايرانية، فضلاً عن عدم معالجة الاتفاق للملف الايراني بشكل شامل ومتكامل ما جعله يتغاضى عن التدخلات الايرانية المباشرة وغير المباشرة في دول الجوار.
إحدى سمات علاقة الرئيس ترامب بدول مجلس التعاون أنها جاءت بعد فترة شهدت توتراً وتدهوراً بالغاً في علاقات هذه الدول بواشنطن، حيث تجاهل سلفه باراك أوباما مخاوف دول الخليج العربية من الطموحات النووية الايرانية، وسعى إلى التعجيل بتوقيع اتفاق ملىء بالثغرات من دون أن يتفهم مواقف حلفاء بلاده في منطقة الخليج العربي.
والحقيقة أنها مهما قيل عن مأسسة العلاقات بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون، وأن هذه العلاقات تتسم بطابع استراتيجي مؤسسي لا يؤثر فيه تغيير الأشخاص كثيراً، فإن تجربة الواقع تقول بغير ذلك، فالبصمات الشخصية للرؤساء الأمريكيين سواء على هذه العلاقات أو غيرها، يصعب تجاهلها أو القفز عليها، وفترتي حكم الرئيس السابق أوباما والرئيس الحالي ترامب خير شاهد على دور الأشخاص، لا المؤسسات، في توجيه بوصلة العلاقات الخليجية ـ الأمريكية، وفي السياسة بشكل عام لا يمكن استبعاد تأثير ما يتمتع به القادة من عوامل وسمات شخصية تسهم في تقوية أو إضعاف العلاقات بين الدول، فبجانب "الكيمياء" التي تربط بين بعض القادة، هناك تأثير "كاريزما" بعض القادة وتأثيرهم القوي على توجيه بوصلة سياسات بلادهم حتى وإن كان ذلك في اتجاه لا يتناسب تماماً أو بشكل كامل مع تقديرات بقية المؤسسات المعنية بالسياسة الخارجية في هذه الدول.
في العموم، لا يمكن القول بأن الرئيس ترامب قد "جامل" دول "التعاون" على حساب مصالح بلاده، بانتهاجه سياسة العقوبات القصوى ضد ملالي إيران، فالكل يعرف مواقفه تجاه نظام الملالي من قبل أن يفوز بانتخابات الرئاسة، والجميع يعرف أيضاً رفضه القاطع للاتفاق النووي ووعده الشهير بالعمل على تعديله بصفقة أفضل، أو الانسحاب منه في حال فوزه بالرئاسة الأمريكية.
لا يجب أيضاً التقليل من أهمية تركيز الرئيس ترامب على علاقات الولايات المتحدة بدول مجلس التعاون لاسيما في الأشهر الأخيرة، حيث لعب الدور الرئيسي في توقيع اتفاقين لاقامة علاقات رسمية بين كل من دولة الامارات ومملكة البحرين واسرائيل، وهو مايعد انتصاراً دبلوماسية كبيرا يحسب لإدارته.
ورغم ماسبق، لا يمكن لمخططي السياسات في دول مجلس التعاون ـ في تقديراتها الاستراتيجية للمرحلة المقبلة ـ تجاهل فرضية فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، حيث يمكن أن تشهد العلاقات تغيرات نسبية في ضوء تصريحات ومواقف بايدن أثناء حملته الانتخابية، ولكن لا يمكن توقع تغييرات جذرية في هذه العلاقات لأن هناك ثوابت لا يمكن القفز عليها في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه منطقة الخليج العربي، كما لا يمكن للمرشح الديمقراطي جو بايدن ـ حال فوزه ـ أن يعود لاستكمال أجندة أوباما في الخليج والشرق الأوسط، فمياه كثيرة قد تحركت ـ ولا تزال ـ في هذه المنطقة الحيوية، ويجب أن نتذكر دائماً أن الأمن القومي الأمريكي هو المرجع الأساسي لمن يجلس على مقعد قيادة البيت الأبيض، كما يجب أن نراعي ، كمراقبين، أن النظر إلى مواقف الرئيس ترامب الحالية يختلف عن وعود المرشح الديمقراطي، فالوعود لا تعني شيكاً على بياض لمن يهمه الأمر بل هي تصورات ورؤى ينبغي أن تتطابق مع معطيات الواقع والمصالح الاستراتيجية الأمريكية ويتفق عليها فاعليتها وجدواها الرئيس وطاقمه قبل أن تخضع للتطبيق الرسمي، وبالتالي فإن الوعود تبقى قيد الاختبار ولا يمكن الانطلاق منها والبناء عليها في عقد مقارنات غير قابلة للتغيير.
وفيما يتعلق بدولة الامارات تحديداً، فإن فوز الرئيس ترامب أو منافسه بانتخابات الرئاسة لن يسفر عن تغييرات ملحوظة، فالعلاقات بين الحليفين مرشحة لأن تزداد قوة ومتانة في المستقبل المنظور من واقع حسابات المصالح الاستراتيجية للبلدين، بغض النظر عن هوية الفائز في انتخابات نوفمبر.