في ظل قرار الإدارة الأمريكية الجديدة بالغاء إدراج الحوثيين في قائمة الارهاب تطرح تساؤلات عديدة مشروعة، لاسيما أن الحوثي لم يقدم ما يشجع هذه الإدارة على تبني موقف مرن حياله، بل يواصل الاعتداء على المدن والأراضي السعودية رغم ترحيب المملكة بموقف الرئيس بايدن بشأن ضرورة انهاء الحرب وإحلال السلام وتحقيق الاستقرار في اليمن، وهو موقف قوبل بترحيب من جانب المملكة العربية السعودية ودولة الامارات، اللتان تبذلان جهوداً كبيرة منذ سنوات مضت من أجل دفع الأطراف اليمنية للعودة إلى طاولة المفاوضات وانهاء معاناة الشعب اليمني الشقيق.
يبدو للوهلة الأولى أن مسألة الغاء إدراج الحوثيين في قائمة الارهاب ذات صلة وثيقة برغبة الإدارة الأمريكية فتح صفحة جديدة مع الحوثيين وإطلاق جهود وساطة تسهم في وقف الصراع العسكري الدائر في هذا البلد العربي الشقيق، وهذا أمر منطقي نظرياً، ولكنه في الوقت ذاته يٌفقد الولايات المتحدة أحد أهم اوراقها التفاوضية قبل بدء الجولة التفاوضية الأولى!
من المعروف أن أي إدارة جديدة تسعى لتحقيق نجاحات سريعة في بعض ملفات السياسة الخارجية، وربما ارتأت إدارة الرئيس بايدن أن اليمن مرشح لأن يكون ساحة لمثل هذه النجاحات، وهذا أمر وارد بالفعل إذا خلصت النوايا وتوافرت إرادة الحل لدى الأطراف المعنية، وخصوصا الحوثيين ورعاتهم الايرانيين، ومن الوارد في هذا الإطار تقديم إجراءات تحفيزية لطرف لتشجيعه على إبداء المرونة وتقديم تنازلات مماثلة، ولكن ما نراه من الحوثيين وما تعلمه الجميع من تجربة السنوات الفائتة أن القرار ليس في صنعاء، بل يأتي من طهران، التي ترتهن استقرار اليمن بالتوصل إلى حلول وتسويات لأزماتها مع الولايات المتحدة، وتستخدم هذه الميلشيات كأداة ضغط في توقيتات مدروسة ومنتقاة بعناية للتصعيد مع المملكة العربية السعودية والضغط على حلفائها الغربيين سعياً وراء تحقيق أهداف في ملفات أخرى مثل الملف النووي الايراني.
البعض في الولايات المتحدة ـ ومنهم وزير الخارجية السابق مايك بومبيو ـ يرى أن الموقف الأمريكي بشأن الحوثيين يمثل "هدية مجانية" للإيرانيين، وهذا أمر صحيح إلى حد كبير، ولكني أراه كذلك تكتيكياً سياسياً أمريكياً لا يأخذ بالاعتبار مجمل تفاصيل المشهد اليمني بالغ التعقيد ويتعاطى مع الأزمة ببساطة نسبية، ولذا لم يتم توظيف مسألة الغاء ارتباط الحوثيين بالارهاب بشكل جيد للوصول إلى هدف الرئيس بايدن بانهاء الحرب في اليمن، خصوصاً أن الغاء الارتباط لم يأت مرهوناً بشروط يمكن أن تفيد في تهيئة المناخ لإطلاق جهود التسوية والبحث عن حلول ومخارج سياسية للأزمة اليمنية، مثل وقف الاعتداءات الحوثية على الأراضي السعودية على سبيل المثال.
من المعروف أن الدور الأمريكي في اليمن محوري وجوهري ولا يمكن تجاوزه أو القفز عليه، وبالتالي خطوات هذا الدور يفترض أن تكون محسوبة بعناية ودقة بالغة، لأن الأزمة قد بلغت من التعقيد والتشابك حداً لا يمكن معه تصور وضع سيناريوهات الحل بشكل سريع أو بسيط، ولذا فإن اوراق الضغط الأمريكية تبدو مهمة وحساسة للغاية، وتوظيفها يجب ألا يخضع لأفكار مقولبة أو جاهزة، لأن الحلول في اليمن تحتاج إلى طاقات وجهود تفاوضية هائلة، وتحتاج أكثر إلى الضغط على ملالي إيران للكف عن التدخل المباشر وغير المباشر في هذا البلد العربي، وعدم السماح للحوثيين بالتمدد والسيطرة على المزيد من الأراضي اليمنية لأن استقرار اليمن مرهون بمراعاة الأسباب والعوامل التي تسببت في اندلاع الأزمة من البداية، وهي التغول الحوثي على باقي مكونات الشعب اليمني والرغبة في إحكام القبضة على مفاصل الدولة اليمنية تنفيذاً لإرادة واملاءات المرشد الايراني الأعلى.
قناعتي أيضاً أن حلول الأزمات الشرق أوسطية في اليمن وسوريا والعراق ولبنان وغيرها تبدأ وتنتهي في طهران، لذا فإن اطفاء الحرائق ومعالجة "الأعراض" لن تضمن انهاء الأزمات كل على حدة، بل بتقليم أظافر ومخالب المحرك والممول والداعم الأساسي لها، والتوصل إلى تسوية شاملة تحد من دور إيران الاقليمي وترسم حدوداً جديدة للهيمنة التوسعية، بما سينعكس على موقف جميع الوكلاء الطائفيين الذين لن يكفوا على العبث بالأمن والاستقرار وتنفيذ ما يملي عليهم من املاءات مهما كانت المغريات التي تقدم لها سواء من الولايات المتحدة أو غيرها.
الخلاصة أن على الإدارة الأمريكية الجديدة التخلي عن اوهامها بشأن امكانية التوصل إلى حلول ناجزة للأزمة في اليمن من خلال بعض الاغراءات والتنازلات للحوثيين، الذين يواصلون الاعتداءات الآثمة على الأراضي السعودية من دون أي بادرة حسن نوايا تجاه إشارات الإدارة الأمريكية الجديدة!