تشير التقارير الإخبارية المتوالية إلى ان منطقة الشرق الأوسط تشهد تحولات عسكرية واستراتيجية غير مسبوقة في الآونة الأخيرة، مع تصاعد المواجهات ضد التنظيمات المدعومة من إيران في أكثر من ساحة. وبينما تتباين الظروف الجغرافية والسياسية لهذه المواجهات، فمن وجهة نظري تبرز بالتالي أهمية دراسة نماذج النجاح وإمكانية تطبيقها في سياقات مختلفة.
هنا علينا ان نتساءل هل يمكن تطبيق سيناريو الجيش الإسرائيلي في القضاء على حزب الله على الضربات الأمريكية ضد الحوثيين رغم التضاريس الوعرة في اليمن؟ وفيما اعتقد ان الإجابة المباشرة هي نعم، ولكن مع تعديلات استراتيجية جوهرية تأخذ في الاعتبار الاختلافات الجغرافية والعملياتية بين الساحتين.
تتزامن الضربات الأمريكية المكثفة ضد الحوثيين مع انتصارات إسرائيلية ملموسة ضد حزب الله. وتثير هذه التطورات تساؤلات جوهرية حول مدى إمكانية استنساخ النموذج الإسرائيلي في السياق اليمني، وما هي الدروس التي يمكن استخلاصها من كلا التجربتين.
إن الفهم العميق للتشابهات والاختلافات بين الحالتين يمكن أن يقدم رؤية استراتيجية متكاملة للتعامل مع التنظيمات المسلحة المدعومة من إيران، بما يضمن تحقيق الأهداف المتمثلة في حماية الأمن الإقليمي وضمان استمرار تدفق التجارة العالمية وسلامة المدنيين.
بالتدقيق العميق نجد ان الحالتان الإسرائيلية والأمريكية تتشابهان في مواجهة تنظيمات مسلحة تمتلك قدرات تضاهي قدرات الدول. فكل من حزب الله والحوثيين يسيطران على أراضٍ واسعة، ويديران هياكل حكم، ويتلقيان دعماً إيرانياً من حيث التسليح والتدريب والتوجيه الاستراتيجي. كما يتبنى كلاهما تكتيكات حرب العصابات ضد القوات العسكرية التقليدية، ويستفيدان من مزايا التضاريس للحماية والعمليات الاستراتيجية، ويمتلكان قدرات صاروخية ومسيّرات للضربات بعيدة المدى.
من ناحية أخرى فإننا يمكن ان نلاحظ أن الاختلاف الجوهري يكمن في طبيعة التضاريس، فيغلب على مناطق وبيئة اليمن انها جبلية وأكثر امتداداً من نظيرتها اللبنانية، كما أن اليمن يتميز ببنية تحتية محدودة وبدائية، وهناك تنوع في تضاريس اليمن بشكل أكبر.
هذه الاختلافات الجغرافية تنعكس على البيئة العملياتية أيضا، فدولة إسرائيل تشترك في حدود مباشرة مع لبنان، مما يتيح لها تنفيذ عمليات برية، بينما تضطر الولايات المتحدة لتنفيذ عملياتها في اليمن من مسافة بعيدة، معتمدة بشكل أساسي على الأصول الجوية والبحرية. كما تمتلك دولة إسرائيل شبكات استخبارات أكثر شمولاً في لبنان، في حين أن حجم اليمن أكبر بكثير من لبنان، مما يعقد العمليات الشاملة.
نجحت دولة إسرائيل في تحييد قيادات حزب الله، بما في ذلك اهم قيادي وهو حسن نصر الله، مما أدى إلى تعطيل هياكل القيادة والسيطرة من خلال عمليات مستهدفة، وتعتمد هذه الاستراتيجية على ضربات دقيقة موجهة بالمعلومات الاستخباراتية ضد القادة الرئيسيين. وبالتالي يمكن تطبيق هذه الاستراتيجية في اليمن، لكنها ستواجه تحديات أكبر بسبب التضاريس والقيود الاستخباراتية.
بلاشك فإن استراتيجية استهداف القيادات ستكون أكثر تعقيداً في اليمن، وستتطلب استثماراً أكبر في القدرات الاستخباراتية والتكنولوجية لتحقيق نتائج مماثلة لتلك التي حققتها دولة إسرائيل ضد حزب الله. وقد اعتمدت دولة إسرائيل على تطهير البلدات الحدودية والاستيلاء على التضاريس الرئيسية، وتدمير البنية التحتية للأنفاق المستخدمة في الهجمات، وتعطيل قدرات إطلاق الصواريخ من خلال الوجود البري.
لكن ومن وجهة نظري فإن تطبيق هذه الاستراتيجية في اليمن سيكون محدوداً للغاية نظراً لعدم وجود قوات برية أمريكية والتضاريس الصعبة، فالتضاريس المتنوعة في اليمن، التي تشمل الجبال والوديان، تخلق بيئة عملياتية معقدة. وعليه فإن التعامل الفعال مع التنظيمات المسلحة في بيئات معقدة يتطلب الجمع بين الضربات الجوية الدقيقة والعمليات البرية المحدودة حيثما أمكن، مع الاعتماد بشكل كبير على الاستخبارات للاستهداف وتقييم الأضرار، والتنسيق بين مختلف المجالات العملياتية، والتكيف مع تحديات التضاريس من خلال تطبيق القوة المناسب.
في حالة اليمن، يمكن للولايات المتحدة الاستفادة من النموذج الإسرائيلي في دمج العمليات الجوية مع العمليات الاستخباراتية المتقدمة، مع الاعتماد على القوى المحلية المتعاونة المناهضة للحوثيين كمصدر مهم للمعلومات الاستخبارية ولتنفيذ العمليات البرية.
بلاشك أيضا فإن نجاح دولة إسرائيل في تحييد قيادات حزب الله وتدمير بنيته التحتية العسكرية يقدم نموذجاً يمكن الاستفادة منه في اليمن، لكن مع إجراء تعديلات جوهرية تأخذ في الاعتبار التحديات الجغرافية الفريدة. فالجبال الشاهقة التي تمتد على ارتفاع يتجاوز 2000 متر فوق سطح البحر، والتي شكلت على مر التاريخ ملاذاً آمناً للحوثيين، تتطلب استراتيجية مختلفة عن تلك المطبقة في التضاريس اللبنانية الأقل وعورة.
وبالتالي تبرز أهمية الجمع بين الضربات الجوية الدقيقة والعمليات الاستخباراتية المتقدمة، مع الاستفادة من القوى البشرية المحلية المناهضة للحوثيين لتنفيذ العمليات البرية المحدودة وتقديم الدعم الاستخباري وخاصة ان الكثير من الشعب اليمين غير راضي عن الحوثيين، وعليه فإن هذا كله يجب ان يترافق مع التركيز على تعطيل شبكات الدعم الإيراني وخطوط الإمداد، على غرار ما فعلته دولة إسرائيل مع خطوط إمداد حزب الله من سوريا.