بعد فترةٍ وجيزة من زيارة لفرنسا، وبعد زيارة لمصر تخللها حضور قمة عربية خماسية، قام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ بزيارة رسمية لليونان، الشريك الإستراتيجي الأوروبي المهم لدولة الإمارات، حيث حرصت الرئيسة إيكاتيريني ساكيلاروبولو على تأكيد توافق الرؤى بين البلدين بشأن السلام والأمن والرفاهية، بينما أعرب سموه عن إرتياحه للتطور المتزايد في العلاقات الإماراتية اليونانية خلال السنوات الأخيرة، مشيراً لإرتفاع معدلات التبادل التجاري خلال العامين الأخيرين بنسبة 17% رغم ظروف تفشي جائحة "كورونا" التي تسببت في تراجع المبادلات التجارية في العالم أجمع.
علاقات الصداقة التي تربط الإمارات باليونان تاريخياً تحولت منذ عامين إلى صيغة شراكة إستراتيجية شاملة تم التوصل إليها في نوفمبر عام 2020، حيث تشير الإحصاءات إلى أن تعزيز التقارب والإنخراط في إطار شراكة إستراتيجية شاملة قد أسهم في تعزيز التبادل التجاري الذي أنتقل إلى أطر مؤسسية ليرتفع بنسبة 67% خلال عام 2021 مقارنة عن العام السابق، كما تجلى في الإتفاق على انشاء صندوق إستثماري مشترك بقيمة 4 مليارات يورو لتسهيل الإستثمارات في الإقتصاد اليوناني في مجموعة واسعة من القطاعات، بما في ذلك البنية التحتية، والطاقة المتجددة وأنواع جديدة من الطاقة، والرعاية الصحية والصناعات الدوائية، والأغذية والمشاريع الزراعية والخدمات اللوجستية وغيرها.
التعاون المشترك في مجالات واسعة ومتنوعة يعد أحد أبرز سمات وتوجهات السياسة الإماراتية التي تعمل على تبادل المنافع والمصالح مع الشركاء الإستراتيجيين من دول العالم كافة، إذ تمتلك الإمارات أهدافا تنافسية وتنموية طموحة للغاية، وتحتاج من أجل تحقيقها إلى توسيع دائرة الشراكات والتعاون مع مختلف الدول، وهو مايترجم بدوره إلى إتفاقات وتفاهمات ومذكرات تعاون تحرص الإمارات على أن تكون ذات عائد مشترك للطرفين كي يستشعر الجميع فوائدها وتدرك الشعوب عوائد علاقات الصداقة والتعاون مع الإمارات.
الإمارات، التي تشغل مقعد العضوية غير الدائمة بمجلس الأمن خلال عامي 2022ـ 2023، تسعى أيضاً لفتح قنوات الإتصال والتواصل الدائم مع كافة الدول الشريكة والصديقة من مختلف قارات العالم، تحقيقاً لأهدافها في ترسيخ السلم والأمن الدوليين، والبحث عن حلول للأزمات التي يعانيها العالم، وتقديم الحلول والبدائل التي تسهم في تخفيف أزمات عالمية، كأزمة الطاقة وغير ذلك، انطلاقاً من استشعارها للمسؤولية التي تقع على عاتقها ليس فقط كعضو غير دائم بمجلس الأمن الدولي، ولكن أيضاً إلتزاماً بسياساتها ومبادئها التي تأسست عليها دولة الإتحاد على يد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.
اليونان من جانبها تبدي إهتماماً متزايداً بتعزيز التعاون مع دولة الإمارات وبقية دول مجلس التعاون الخليجي، حيث استقبلت منذ فترة وجيزة أيضاً ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في زيارة رسمية، لتؤكد دورها كلاعب رئيسي في قضايا التعاون العربي ـ الأوروبي، وكذلك في ملفات الطاقة والأمن والإستقرار العالميين. وحيث تسعى اليونان لتثبيت موقعها كنقطة مركزية لإستقبال واردات الغاز الطبيعي القادمة لدول الاتحاد الأوروبي من منطقة الشرق الأوسط وجنوب شرق البحر المتوسط، حيث تتزايد الإكتشافات الغازية وتتحول دول مثل إسرائيل ومصر وغيرهما إلى مصدرين مهمين للغاز الذي تحتاجه أوروبا بشدة لتعويض واردات الطاقة الروسية التي يسعى الإتحاد الأوروبي للتخلي عنها منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية، وفي إطار ذلك يمكن أن تلعب الإستثمارات الإماراتية دوراً كبيراً في دعم الإقتصاد اليوناني، ولاسيما في مجال إستكشاف والتنقيب عن الغاز.
علاقات الصداقة والشراكة الإستراتيجية بين الإمارات واليونان تمتلك مقومات التطور بحكم تنوع روافدها بين الإقتصادي والتجاري والسياسي والعسكري والإستثماري والطاقوي والثقافي ما يعمق التعاون والتفاهم، ويضاعف من ذلك عمق التواصل والتقارب بين قيادات البلدين بشكل تعكسه الزيارات المتبادلة التي تتم بشكل دوري متقارب يتناسب مع تطلعات البلدين للإرتقاء بهذه الشراكة، وتكفي الإشارة إلى أن اللقاء بين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ وكيرياكوس ميتسوتاكيس رئيس وزراء اليونان خلال الزيارة الأخيرة، كان الإجتماع الرابع بينهما منذ يوليو 2019، حيث سبق أن قام ميتسوتاكيس بزيارتين إلى دولة الإمارات في فبراير ونوفمبر من عام 2020، التقى خلالهما بصاحب السمو رئيس الدولة.
ثمة مؤشرات أخرى لمستوى الشراكة والتفاهم تعكسها الرؤى المتقاربة للغاية في ملفات حيوية مثل الأزمة الليبية، كما تتشاركان في إمتلاك عتاداً عسكرياً متقدماً مثل النسخ المتطورة من مقاتلات "إف ـ 16" الأميركية، حيث تمتلك الإمارات واليونان طرازات متنوعة من مقاتلات "ميراج" الفرنسية ما يوفر فرصة لتبادل الخبرات العسكرية والتدريبية من خلال التدريبات والمناورات المشتركة التي تستهدف رفع الكفاءة والقدرات القتالية والجاهزية العملياتية لقوات البلدين الصديقين.
حراك فاعل وديناميكية مؤثرة تمتلكها السياسة الخارجية لدولة الإمارات في ظل قيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، حيث تتسع دائرة النشاط الإقليمي والدولي الإماراتي لتشمل كافة المجالات والدول والمنظمات، بما يعكس الأهداف التنموية المستقبلية الطموحة التي تتبناها القيادة الرشيدة لدولة الإمارات.