الوجود العسكري المكثف لإيران في العراق خلال المرحلة الراهنة يثير العديد من التساؤلات، خصوصا بعد أن قال خبراء امريكيون معروفون أن نفوذ قاسم سليماني قائد قوة القدس الإيرانية ضخم للغاية في العراق، وأن تصريحات وزير الخارجية السعودية، الأمير سعود الفيصل حول سيطرة إيران على العراق، صحيحة وفي مكانها.
هناك وجهتا نظر في تحليل الرؤية الاستراتيجية الأمريكية لما يحدث في العراق، فالبعض يرى أن واشنطن تسعى إلى توريط إيران عسكريا في العراق ثم تحويل الصراع العراقي إلى مستنقع يستنزف القدرات العسكرية الايرانية بشكل مباشر بحيث لا تستطيع إيران الخروج من العراق دون هزيمة عسكرية مخزية تجعلها تصرف النظر مستقبلا عن التدخل في أي دولة مجاورة. أما وجهة النظر المقابلة فترى أن إيران تسعى إلى تعزيز الأوراق الاستراتيجية التي تمتلكها مستغلة ارتباك الاستراتيجية الامريكية في الشرق الأوسط خلال المرحلة الراهنة، حيث تتوقع إيران عدم استمرار أي اتفاق قد تتوصل إليه مع إدارة الرئيس أوباما بسبب معارضة الجمهوريين لهذا الاتفاق كما تضعها في اعتبارها أيضا احتمالية ألا يتم التوصل إلى هذا الاتفاق من الأساس، ومن ثم فهي تسعى جاهدة إلى توسيع نفوذها بكل الطرق في مختلف ملفات النزاع والتوتر الاقليمي كي تساوم على هذه الملفات لاحقا في أي تسوية تفاوضية مع الجانب الأمريكي، بل إن هذه التدخلات قد تحول دون تعرض إيران لأي ضربة عسكرية أمريكية بسبب مقدرة طهران على ايقاع الضرر بمصالح الولايات المتحدة في كثير من دول المنطقة.
في الواقع، يبدو أن التحليلان قابلان للتحقيق بدرجة أو بأخرى، فالأمور في الشرق الأوسط مفتوحة على السيناريوهات كافة، ولكن تبقى المشكلة الحقيقية في أن الجانب العربي لا مكان له في أي حسابات استراتيجية لطرفي الصراع الاستراتيجي الدائر (إيران والولايات المتحدة الامريكية) وإلا فما هو تفسير مايحدث في العراق وغض الطرف أمريكيا عن دور قاسم سليماني في قيادة جزء كبير من بين نحو 25 الف مقاتل شاركوا في معارك تحرير تكريت ثلثاهم من مليشيات الحشد الشعبي الشيعية التي ترعاها وتمولها الحكومة العراقية فيما تقدم طهران لها السلاح والمشورة العسكرية!.
السؤال المشروع الذي يطرح نفسه خليجيا وعربيا على خلفية ماسبق هو : هل هناك تفاهم أمريكي ـ إيراني على مايحدث في العراق بمعنى هل مايحدث في العراق هو ترجمة لتفاهمات استراتيجية جرت ضمن محادثات البرنامج النووي الايراني؟.
كي نفهم جزء ولو ضئيل مما يدور حولنا علينا أن نفكر في معطيات إيران في هذا المشهد المعقد، ومن ذلك أن طهران تتبنى تجاه الحوار مع واشنطن النظرة ذاتها التي سبق أن تبنتها عند الاتفاق على وضع نهاية للحرب مع عراق صدام حسين، والمتمثلة في مبدأ الخميني "تجرع السم"، بمعنى أن طهران تفاوض واشنطن حول البرنامج النووي الايراني على مضض، وهي تدرك تماما أن الولايات المتحدة لن تصبح حليفا لإيران بين عشية وضحاها، لذا فهو يبدو اقرب إلى حوار ثعالب، حيث يمكر كل منهما بالآخر بحيث يفوز الأكثر مكرا ودهاء في النهاية.
ما يؤكد ذلك تصريحات المرشد الايراني الأعلى علي خامنئي التي قال فيها إن "شيمة الأمريكيين هي الغدر"، حيث قال خامنئي بالأمس في اجتماع حضره الرئيس روحاني وكبار المسؤولين الايرانيين "كلما نقترب من الموعد المحدد لانتهاء المفاوضات فان لهجة الطرف المقابل وخاصة الامريكيين تصبح لاذعة وعنيفة اكثر وهذا من خدعهم وحيلهم". ونقل عن خامنئي قوله "بالطبع أشعر بقلق لأن الطرف الآخر مخادع ومتحايل وشيمته الغدر."
من هنا يصعب التسليم بأن أي اتفاق قد يتم التوصل إليه بين طهران وواشنطن سيحول الجانبان إلى حليفين استراتيجيين، وإن كان من الوارد حدوث تفاهمات على المصالح كما هو حادث بينهما منذ سنوات بل عقود مضت.
ما الجديد إذا في هذا الاتفاق؟ الجديد هو احتمالية عالية لإطلاق يد إيران إقليميا وضمان مساعدتها في مواجهة تنظيمات الارهاب، بحيث يتوافر للرئيس أوباما فرصة القول بأنه نجح في التصدي للارهاب من خلال تحالف دولي ومن دون خوض حروب جديدة، ويضيف الاتفاق النووي مع إيران إلى سجل انجازاته السياسية التي تخلو حتى الآن من إنجاز ضخم على صعيد السياسة الخارجية وبما يغري الناخب الامريكي باعادة التصويت للديمقراطيين في أي انتخابات مقبلة. إيران من ناحيتها تقرأ المشهد بتفاصيله وتحاول استغلال مأزق الرئيس أوباما في تحقيق أهدافها التوسعية بسرعة قياسية وقبل انتهاء فترة رئاسته.
شؤون عربية
حوار "الثعالب" في الخليج
- الزيارات: 1042