مع أي جردة حساب لعام 2015 الذي يوشك أن يطوي أيامه ويرحل، لا نجد سوى الصعاب والأخطار والتهديدات وقد شغلت ساعات هذا العام وأيامه، التي مرت صعبة على مواطني دول عربية عدة ابتداء من سورية في الشمال وانتهاء باليمن في الجنوب، مرورا بليبيا والعراق والأراضي الفلسطينية المحتلة ومناطق متفرقة أخرى من عالمنا العربي.
الأيام الصعبة لم تمر على مواطني الدول التي تعاني الصراعات التي تشتت شملها فحسب بل تمر أيضا على مواطني دول عربية أخرى يمضون أيامهم في ساحات الدفاع عن الحق وصون مصالح شعوب عربية شقيقة، وأقصد هنا جنود التحالف العربي البواسل الذين يقاتلون قوى البغي والعدوان على الساحة اليمنية.
عام 2015 كان كان صعباً بكل المقاييس والمعايير الاستراتيجية، وشهد كثير من التوترات والأزمات والصراعات ولم يشهد ـ للأسف ـ إغلاق أي من الملفات الساخنة أو انتهاء أي من الصراعات الدامية، وأبى إلا أن يسلم هذه المفات جميعها وبكل مراراتها إلى عام 2016 الذي نأمل جميعاً أن تخف فيه وطاة الاحتقانات وتنحسر خلاله موجات الارهاب والقتل وسفك الدماء.
ولم يكن عام 2015 صعب على العالم العربي فقط، بل كان أيضاً صعب على كثير من دول العالم جراء الارهاب الأعمى الذي وجه ضرباته الغاشمة إلى مواطنين عزل من دون تفرقة بين دين وجنس ولون وعرق.
يفسر البعض مايدور في عالمنا العربي في ضوء توابع ما يسمى بـ "الربيع العربي"، ولكني اعتقد أن هذا "الربيع" الكاذب ليس سوى إحدى موجات متتالية لعاصفة "الفوضى الخلاقة" التي هبت على المنطقة قبل عام 2011 بمراحل، ولعلنا نتذكر جيداً أن "أدوات" هذا "الربيع" قد أعدت له جيداً قبل اندلاعه بأعوام طويلة، ومن هذه الأدوات ما يعرف بأكاديميات التغيير وبرامج تدريب الشباب على إطاحة الأنظمة الحاكمة، حيث تأسست سلسلة هذه الأكاديميات في في عام 2006 بالعاصمة البريطانية ثم افتتحت فرع لها في الدوحة وفيينا في أعوام تالية.
لا تزال دول ومناطق عدة من عالمنا العربي تعاني توابع هذه الفوضى الخلاقة، فلا تزال ليبيا واليمن والعراق وسورية دول غائبة عن دائرة الدفاع عن سيادتها الوطنية، ناهيك عن دائرة الفعل والتأثير السياسي المفترض للدول بشكل عام، بعد أن شهد بعضها تدخلات خارجية لم تقتصر على دول كبرى واقليمية بل امتدت هذه التدخلات لتشمل تنظيمات الارهاب التي تمددت في المناطق الرمادية التي تعاني الفوضى وغياب نفوذ الدولة وسيادتها.
الخبر الجيد في عام 2015 أن الجهود التي بذلتها دول عربية عدة بقيادة المملكة العربية السعودية ومشاركة فاعلة من دول عربية أخرى في مقدمتها دولة الامارات العربية المتحدة، قد نجحت في التصدي لبقية خيوط المؤامرة التي كانت تحاك لافتراس دول عربية بأكملها، والسيطرة على عاصمة عربية جديدة من جانب ملالي إيران الطموحين إلى استغلال الفرصة التاريخية المواتية لهم إلى أقصى مدى بعد أن نجحوا في اختراق عواصم عربية عريقة مثل بغداد ودمشق وتباهوا علناً باحتلالها، ولكن الإرادة القومية العربية استيقظت في مارس الماضي لتنقذ ما تبقى من كرامة العرب وعواصمهم من المد التوسعي الفارسي، وتنقذ صنعاء العروبة والأصالة من العدوان، الذي يرتدي قناعاً طائفياً خادعاًويزعم الدفاع عن المظلومين ونصرة المقهورين رغم أن بلاد الفرس تضم شريحة مليونية من ضحايا الظلم والاستعباد والقهر والاستبداد، ابتداء من سكان اقليم الأحواز العربي وليس انتهاء بالقوميات الأخرى التي تحاول الفكاك من قبضة دولة الاستبداد والديكتاتورية الدينية في إيران.
الخبر السىء في نهاية عام 2015 أن تنظيم "داعش" لم يزل على قيد الحياة ويواجه الحملة العسكرية التي تشنها ضده جميع دول العالم على وجه التقريب بعد مشاركة كل من روسيا وإيران بشكل رسمي في توجيه ضربات عسكرية إلى التنظيم داخل الأراضي السورية، والأغرب من ذلك أن التنظيم الذي يواجه الآلة العسكرية المتقدمة لكل هذه القوى العسكرية بمختلف قدراتها العملياتية والخططية، لا يزال يزعم مقدرته على العمل والتمدد، ليثير مزيداً من التساؤلات المشروعة حول أسرار هذا التنظيم الخفي، الذي تتيح له مجرد البقاء على قيد الحياة!!
هو ـ إذاً ـ عام "داعشي" بامتياز بعد أن نشر هذا التنظيم الخبيث وباء الارهاب في مناطق شتى من العالم وأصبح اسمه يتردد على كل ألسنة الزعماء والقادة وبات محور التحالفات والتحركات الدولية والاقليمية سواء على الصعيد العسكري أو السياسي، فهل يستمر هذا المشهد في العام المقبل، أم تنجح الجهود الدولية والاقليمية في محاصرة هذا الداء الخبيث واستئصاله؟ قناعتي الشخصية أن هذا التنظيم "يراد" له أن يستمر لسنوات قلائل مقبلة على أقل التقديرات، لسبب بسيط أن دوره ضمن لعبة تقاسم النفوذ والأدوار على المسرح الدولي لم تزل مستمرة ولم تحسم، ولم يزل محركو خيوط هذا التنظيم بحاجة إليه على مسرح الصراع في العراق وسورية وربما مناطق أخرى من العالم العربي.
"داعش" هو الجيل الثالث من تنظيمات الارهاب بعد الجيل الأول الذي ظهر في دول عدة منها مصر والسعودية والجزائر وغيرها ثم الجيل الثاني الذي تجسد في تنظيم "القاعدة"، وعلينا أن نحذر من احتمالات "تخليق"جيل رابع من تنظيمات الارهاب في مختبرات الاستخبارات الغربية ثم غرسه في الجسد العربي والاسلامي المهيىء تماماً لاستقبال مثل هذه "الفيروسات" والاوبئة بسبب ضعف فاعلية الجهود المبذولة على صعيد تحصين هذا الجسد ضد آفات الفكر المتطرف والارهاب، فرغم ما يعلن من خطط واستراتيجيات تصب في مجملها في سلة التصدي لهذا الخطر، فإن العمل الجاد ظل محصور في نطاق أمني ـ عسكري من دون أن يوازيه جهود جادة على الصعد الفكرية والثقافية والدينية والاعلامية، حيث بقي الضجيج والصراغ والدوران في المكان هو شعار هذه الأصعدة، التي تملأ العالم ضجيجاً من دون طحن!!.
كل عام والعالم العربي والاسلامي والانسانية جمعاء بألف خير وأمن واستقرار، آملين أن يكون العام المقبل خالياً من آفات ماسبقه، داعياً الله أن تكون الاستجابة على قدر التوقعات.