يدرك المتابع للشأن الإماراتي أن «السعادة» ليست مفردة عابرة على أجواء ومناخ التخطيط الاستراتيجي الإماراتي، فضلا عن كونها معنى ملموس يمشي على أرض هذه البلد الطيب، فالسعادة هدف محوري وضعته الخطة الاستراتيجية الأولى للحكومة في عام 2007، وقد تحققت العديد من الإنجازات على صعيد تحقق هذا الهدف، تجسدت في الفوز بالعديد من المراتب الدولية المتقدمة، التي تقيس مستويات ومؤشرات السعادة والرضا المجتمعي، فالإمارات تحتل في السنوات الأخيرة المرتبة الأولى عربيًا وخليجيًا في مؤشر السعادة، الذي تشرف عليه الأمم المتحدة (تبنت الأمم المتحدة في 2012 مؤشرات تقيس سعادة الإنسان وأصدرت سنويا دليلًا لترتيب دول العالم وفقًا لمعدلات السعادة بناء على قياس عناصر محددة بدقة من جانب خبراء وباحثين متخصصين)، ما يعني أن الدولة تمضي على الدرب الذي رسمته لنفسها.
«السعادة» كما تدركها الإمارات، تتمثل في اضطلاع الحكومة بوظائفها بشكل دقيق وأداء تنافسي، بحيث توفر العيش الكريم والرفاه الاجتماعي للمواطنين، وتقوم بتسهيل شئونهم الحيانية وخلق الفرص لهم ليحققوا السعادة لأنفسهم ولأسرهم، انطلاقًا من أن السعادة هي بالأساس إحساس داخلي، وأن مهمة الدولة أن تقوم بتحقيق ما ينتج هذا الإحساس ويشبعه. وهنا فقط أستطيع أن أقول إن تداول مفردة السعادة واستحداث منصب وزاري لها ليس مسألة شكلية ولا تجميلية بل استجابة تخطيطية سياسية رائدة لمتطلبات الرفاه الاجتماعي والمعيشي، فلم يعد الحديث عن تحقق السعادة أمرًا ثانويًا، بل مطلب حيوي للشعوب والأفراد، فالشعور بالسعادة أحد أهم مقومات المواطنة والشعور بالانتماء والولاء، وتحفيز عوامل الوطنية والشعور الحماسي الجارف الذي يولد بدوره طاقة إيجابية هائلة قادرة على بناء الأوطان في زمن تعاني فيه الدول والأوطان عوامل النخر والتآكل التي تحيط بها وتعمل على تفتيتها وإضعاف مناعتها وحصانتها الذاتية.
منذ فترة قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي ـ رعاه الله «من كان يقول إن رضا الناس غاية لا تدرك، عليه أن يراجع نفسه، لأننا تجاوزنا هذا المقولة، وشعارنا رضا الناس وسعادتهم وراحتهم، وهي أهداف يمكن إدراكها» وهي مقولة رائعة تضع الأساس لتخطيط وفكر استراتيجي يمكن أن يرتقي إلى الأهداف التنافسية في حال توافر الإرادة والتخطيط السليم والعمل الجاد، وهي في مجملها عوامل تتضافر لدينا ـ والحمد لله ـ في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتسهم في إنجاز ما يتحقق من نجاحات تنموية نوعية تمتلك تنافسية عالمية قوية.
«السعادة» واستحداث وزارة لها إذا ليس نوعا من الرفاه أو المؤشرات الشكلية بل يقع في قلب الأداء والتخطيط الحكومي للدول في القرن الحادي والعشرين، حيث تبدو وظيفة الحكومات في عصرنا «تحقيق السعادة للمجتمع، نعم عملنا اليومي هو تحقيق السعادة»، كما قال بذلك صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في كتابه المعنون «ومضات من فكر»، فلم تعد المناصب الوزارية مهمة احتفالية بل عمل دؤوب يتطلب جهودًا مكثفة لتحقيق هدف «إسعاد المواطنين»، وهذه هي فلسفة العمل الحكومي في القرن الحادي والعشرين، والتي تضرب فيها دولة الإمارات أروع الأمثلة وتقدم نموذجًا مبدعًا في تحقق هذه الفلسفة التنموية، التي تضمن الأمن والاستقرار في عصر العولمة الجارفة، التي تجتاح مناطق العالم ودوله كافة.
وفي كلمته أمام القمة العالمية الأخيرة في دبي، قال ستيفن سليغ رئيس الوفد الأميركي «إن الابتكار هو ما يفصل بين مفهوم الحكومات التقليدية وحكومات الحاضر والمستقبل» وهي كلمة تلخص ما يحدث في العالم، وتحدد الفوارق بين الدول وتسهم في تفسير كثير من عوامل الاضطراب في المنطقة والعالم. وقد يعتقد البعض أن ثراء دولة الإمارات هو السبب في بلوغها هذه المرتبة المتميزة على صعيد تحقق مؤشرات السعادة عالميًا، وهذا أمر ليس دقيقًا، فالمؤشر الدولي يقيس جودة الحياة ونوعيتها ولا يعتمد فقط على الدخل الفردي أو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، فالدول ـ كما الأفراد ـ تحقق السعادة وفق معايير وقناعات وأداء حياتي معين لا يرتبط في معظم الأحيان بمستويات الثراء واقتناء المادة، وإن كان ذلك لا ينفي أن الثراء عامل يمكن أن يسهم في تحقق الأهداف للدول والأفراد على حد سواء.
اهتم الجميع باستحداث وزارة للسعادة في دولة الإمارات وتفاعلوا مع الحدث، وهذا أمر بديهي، وذلك ربما لغياب السعادة عن أجواء المنطقة بشكل عام وطغيان الاضطراب وأجواء القلق والتعاسة ورغبة الجميع أيضًا في بلوغ هذا الهدف وطموح الشعوب إليه، ولكن التعديلات الحكومية الأكبر من نوعها في دولة الإمارات قد تضمنت أيضًا تغييرات هائلة في الفكر التخطيطي والاستراتيجي وأحدثت نقلة نوعية ستسهم من دون شك في تعزيز فرص تحقق «رؤية الإمارات 2021»، لاسيما في ما يتعلق بالاهتمام بالشباب ومنحه أولوية مطلقة على الصعيد التخطيطي والتنفيذي، في إشارة قوية إلى أسس بناء الدولة الحديثة، ما يعطي للامارات قصب السبق على مضمار التنافسية الإقليمية والدولية في بناء الدول.
وبالأخير أقول، إن كل ما يحدث على أرض الإمارات يقدم بوصلة استرشادية للمنطقة للخروج من كبوتها والبحث عن مستقبل أفضل لعشرات الملايين من الشباب بعيدًا عن دعوات «داعش» وأخواتها، من التنظيمات الإرهابية، وهو أمر أكد عليه ضمنًا رئيس ومؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي البروفيسور كلاوس شواب عندما قال «إن الإمارات تشكل نموذجًا عالميًا لحكومات المستقبل، بما تمتلكه من رؤية بعيدة المدى وقدرة على استشراف المستقبل جعلتها تقود مختبر المنظومات المبتكرة للمستقبل نيابة عن العالم وقد حققت الكثير من الإنجازات على مؤشر التنافسية العالمية وهي قادرة على تحقيق قفزات مذهلة بشكل مستمر».
فالإمارات تفتح دروبا وطاقات الأمل للشعوب، وقيادتها الرشيدة وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل نهيان نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي ـ رعاه الله ـ وإخوانهما أصحاب السمو حكام الإمارات، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، يحملون على عاتقهم هموم المنطقة ويسعون إلى إيجاد بدائل وحلول خلاقة لانتشال الواقع العربي البائس من عثراته التنموية، التي تسهم بقدر واضح في ما نشهده من فوضى واضطراب إقليمي.