في مسيرة البناء التاريخية لدولة الامارات العربية المتحدة منذ الثاني من ديسبمبر عام 1971، هناك محطات مفصلية مشهودة منها يوم السادس من مايو عام 1976، حيث تقرر توحيد القوات المسلحة بتوافق إرادات إمارات الدولة السبع، وتوحد قلوب الآباء المؤسسين على أن البنيان الاتحادي لن يكتمل سوى بتوحد الإرادات وراء قوات مسلحة موحدة تحفظ أمن شعب واحد ووطن واحد وترفع راية واحدة، ما يجعل هذه المحطة من أهم وأبرز المحطات في التطور التاريخي والمؤسسي لدولة الاتحاد.
وبمرور السنوات، تحولت قواتنا المسلحة من وحدات وقوات عسكرية متفرقة إلى قوة عسكرية اتحادية متطورة تتمتع بقدر عال من التنافسية والجاهزية العملياتية والقتالية، وفضلاً عن هذا وذاك، فقد اثبتت أنها سفير للقيم الاماراتية الأصيلة من خلال المهام الانسانية الاغاثية، التي شاركت بها، ابتداء من كوسوفا والصومال ولبنان وأفغانستان، حيث عكس أداء قواتنا في تلك المهام القيم والمبادىء الاماراتية الأصيلة، وقدمت صورة حضارية للامارات وشعبها.
أما أداء أبطال قواتنا المسلحة في اليمن، فيستحق منا جميعاً ـ كإماراتيين ـ التحية والتقدير، حيث كان الرجال على مستوى الطموح والتوقعات، ودافعوا بنخوة وشرف عن كبرياء وطن جريح وشعب أصيل، استغاث بهم فاغاثوه، فهذا عهد أبناء زايد الخير والعطاء، فقد كانوا ـ ولا يزالوا ـ خير عون للجميع في المحن والملمات، حيث شاركت قواتنا المسلحة ضمن قوات التحالف العربي في الدفاع عن اليمن الشقيق ضد تغول فئة باغية انخرطت في تحالف الشر بين جماعة الحوثي وميلشيات المخلوع علي عبد الله صالح، كما وقفت قواتنا وقفة بطولية أيضاً في اليمن ضد ارهاب "القاعدة" وانتزعت من بين أيدي هذا التنظيم البغيض مدينة المكلا، التي سيطر عليها الارهاب لعام كامل، حول خلالها هذه المدينة الآمنة إلى وكر للارهاب.
وإذا كانت أرض الامارات هي منبت القيم والخير والعطاء، فإن قواتنا المسلحة هي مصنع الرجال، الذين يفخر بهم شعبهم وأمتهم العربية، بعد أن عاهدوا الله على الدفاع عن الأمن القومي العربي ضد كل معتد أثيم، فكانوا دوما عند حسن الظن بهم، وسطّروا بدمائهم الذكية ملاحم النصر في سهول اليمن وجبالها، فكانت تضحيات شهداء الامارات الابرار خير شاهد على مايربط الشعبين الشقيقين في الامارات واليمن من صلات قربى ترجمتها تضحيات الشهداء وبطولات الرجال البواسل دفاعاً عن أمن هذا البلد العريق وشعبه العربي الأصيل.
قواتنا المسلحة هي رمز عزتنا وكرامتنا وهي تاج الرؤوس، فقد كانت دوما ـ وستظل إن شاء الله ـ رمزاً للحق والدفاع عن العدل والقيم الانسانية المتحضرة، ولم يكن تطورها النوعي على مستوى التسلح بأحدث الأسلحة في العالم، والتدريب القتالي المتطور والتأهيل العلمي المتقدم، سوى تحسين لمسيرتنا التنموية والحفاظ على مكتسبات شعبنا ومصالحه وأمننا الوطني. فلم تكن الامارات يوماً سوى دولة محبة للأمن والسلام والاستقرار، داعية للقيم والمبادىء الانسانية السامية، فقواتنا المسلحة الباسلة هي قوة تصنع الأمن والاستقرار وتدافع عن الحق وتنتصر للمظلوم، وهي أيضاً قوة لاغاثة الملهوف وحماية القيم الانسانية، ولا تفارقني مشاهد أبطالنا من رجال القوات المسلحة، وهم يقدمون الرعاية الانسانية في كثير من المناطق المنكوبة وفي مختلف الظروف والبيئات من دون تفرقة بين لون ودين وجنس وعرق.
قواتنا المسلحة أيضاً هي مصنع لصهر الطاقات الوطنية، حيث شاركت المرأة الاماراتية في هذا البناء المؤسسي العريق، وأسهمت بجهودها فيه، بل كانت خير داعم لأشقائها من الرجال في القوات المسلحة، في انعكاس رائع لتجربتنا التنموية المتفردة، التي تمنح المرأة دورها كاملاً متكاملاً انطلاقاً من رؤية سامية لقيادتنا الرشيدة، غرسها المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ـ طيب الله ثراه ـ ومضي على دربها صاحب السمو الشيخ خليفة زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ وهي رؤية تقف ورائها أيضاً سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام، الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة (أم الامارات) التي قدمت الكثير والكثير من أجل ترسيخ مسيرة المرأة الاماراتية ودورها الوطني في مسيرة التنمية بمختلف القطاعات والمجالات.
إننا نفتخر بهؤلاء الأبطال ونجدد العهد بوقوفنا جميعنا إلى جانبهم في مهمتهم الوطنية النبيلة فهم حماة الوطن، ومشاركتنا لهم لهي شرف لنا جميعاً في هذه الظروف الاقليمية العصيبة التي وصفها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ في كلمته بمناسبة الذكرى الاربعين لتوحيد القوات المسلحة بأنها "صراعات واضطرابات وحروب نتيجة لما تشهده (المنطقة) من تنامي الحركات الإرهابة والتدخلات الخارجية وما يسبب ذلك من دمار وخراب".
إن قواتنا المسلحة ستظل دوما ـ إن شاء الله ـ حصننا الحصين ودرعنا القوي المتين في مواجهة قوى الشر والظلم والعدوان، وفي مواجهة مؤامرات الحاقدين والأعداء والمتربصين، وسنظل على قلب واحد في عمق الانتماء للوطن والولاء والاخلاص للقيادة الرشيدة، كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي ـ رعاه الله.
وقد حلت منذ فترة الذكرى الأربعين لتوحيد قواتنا المسلحة ونحن "نقف على أرض صلبة ونتطلع إلى المستقبل بكل أمل وثقة" بفضل كفاءة وجدارة قواتنا المسلحة الباسلة وقدرتها على تحقيق النصر في المعارك العادلة ضد قوى البغي والشر والارهاب كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة حفظه الله، ومن هنا علينا أن نفخر بأبطالنا وشهدائنا الأبرار، وأن نروي لأولادنا وأحفادنا قصصهم، وأن نشكّل تصورات جيل المستقبل بما يتماشى مع حجم هذه التضحيات والبطولات والدماء التي بذلت من أجل أن يكون حاضرنا أكثر أمناً وغدنا أكثر إستقراراً إشراقاً أن شاء الله، فللشهداء كل المجد ولأبطال قواتنا المسلحة كل التحية والشكر والتقدير.