في مختلف تجارب التنمية والتطور التنموي في دول العالم، هناك دائماً رواد فكروا وخططوا وقادوا هذه التجارب بتصميم وإرادة لا تلين، وإيمان لا يتزعزع بقدرات الشعوب على تحدي الصعب وتحقيق احلامها وطموحاتها.
شاهدنا ذلك في تجارب تنموية رائدة منها ماليزيا وسنغافورة والامارات، وهؤلاء القادة الملهمين اضطلعوا بأدوار بالغة الأهمية في مراحل تاريخية معينة، ونقلوا بلادهم من مرحلة إلى أخرى مختلفة تماماً عما قبلها، وبذلك فهم لم يسهموا في تطور نوعي، بل نجحوا في قيادة تحول جذري من مرحلة المعاناة إلى مرحلة بناء النموذج.
في ماليزيا، هناك تجربة مهاتير أو محاضر محمد، زعيمها التاريخي وقائد نهضتها الحديثة بل إن معظم الخبراء والمتخصصين يعتبرونه مؤسس ماليزيا الحديثة، حيث قاد البلاد منذ عام 1981 حتى عام 2003، أي نحو اثنان وعشرون عاماً تقريباً انتقلت خلالها ماليزيا إلى قمة النمو الاقتصادي في القارة الآسيوية، وأصبحت واحدة من الدول التي أطلق عليها "النمور الآسيوية". وفي سنغافورة هناك أول رئيس وزراء لي كوان يو، الذي يعد الأب الروحي للبلاد بحكم دوره التاريخي في تحويلها من جزيرة صغيرة تزيد مساحتها عن السبعمائة كيلو متراً بقليل إلى مركز مالي وتجاري لا غنى عنه للاقتصاد العالمي، وواحدة من أغنى دول العالم.
أما في الامارات فلدينا تجربة تنموية استثنائية بكل معنى الكلمة، قادها باقتدار المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه وهو رائد من رواد التنمية والتطور في العصر الحديث، حيث
حول منطقة صحراوية جدباء إلى دولة اتحادية تمتلك تجربة تنموية غاية في التفرد والتطور.
ما يميز تجربتنا التنموية في الامارات أن فكرة القدوة والنموذج متجددة لا تنضب، فلدينا استمرارية في النهج الحضاري والانساني والتنموي، حيث تمضي قيادتنا الرشيدة وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله وأخيه صاحب الشمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة حفظه الله تمضي على درب التطور والحداثة عبر مسارات وخطط وأفكار أبداعية مبتكرة توفر قوة دفع هائلة للتجربة التنموية الاماراتية، ولدينا كذلك قدوة تاريخية في مجال العمل النسائي والأسرى والاجتماعي ممثلة في سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام الرئيسة الاعلى لمؤسسة التنمية الاسرية رئيسة المجلس الاعلى للأمومة والطفولة"أم الامارات".
فكرة القدوة والنموذج هي فكرة راسخة في تجارب التنمية الحديثة في مختلف الدول، فالشعوب بحاجة إلى قيادة ملهمة واعية تشعر معها بقدر عال من الثقة في الذات، وهذه الثقة ليست قائمة على دعاية مصطعنة أو شعارات واهية بل هي نتاج أو حصاد لسنوات من العمل الجاد، الذي يقطف الجميع ثماره، فالثقة تكتسب من الانجاز، والقدرة على الفعل وترجمة الطموحات إلى خطط تنفيذية مدروسة تتوائم مع الموارد والامكانيات المتاحة، على المستويين البشري والمادي.
ومنذ أيام، احتفلت دولة الامارات العربية المتحدة بيوم المرأة الاماراتية، وتابعت الكثير من التصريحات التي صدرت بهذه المناسبة، ووجدت أنها تتفق جميعاً على أن سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك هي "النموذج الملهم" والرائدة الأساسية لمسيرة النهضة الاماراتية، وهذه حقيقة لا مبالغة فيها بل واقع يلمسه كل أبناء الامارات وزوارها.
المرأة في الامارات تعيش نهضة حقيقية وتحصد ثمار سنوات وعقود مضت من التخطيط والعمل، وقد نجح هذا النموذج المتفرد في رسم معالم تجربة نهضوية فريدة في هذا المجال، فالمرأة الاماراتية لا تزال تحتفظ بخصوصيتها الثقافية والحضارية والقيمية والمجتمعية، ولكنها نجحت مع ذلك في بلوغ مستويات عالية من التعلم والتطور ووصلت إلى أرفع المناصب السياسية والادارية في الدولة، ولها دور فعال في مختلف قطاعات العمل والانتاج.
دور المرأة في الامارات ليس دوراً مكملاً ولا مظهراً من مظاهر التطور فقط، بل هو جزء محوري لا يمكن الاستغناء عنه في منظومة العمل اليومي بالدولة، فهي جزء أساسي من العمل الشرطي والأمني والحكومي، ولا يمكن أن تتخيل جميع هذه القطاعات من دون وجود العنصر النسائي الفعال، الذي يدير العمل اليومي بكفاءة منطقة النظير.
كل هذه النتائج تحققت بفعل وجود "النموذج"، فهناك قيادة نسائية حرصت ولا تزال على توفير الدعم للمرأة الاماراتية عبر قنوات مؤسسية رسمية وغير رسمية، وبذلت من الجهد الكثير حتى نجحت في إحداث تحولات ثقافية جذرية في المجتمع، ولاقت جهودها استجابة نتيجة لأن التخطيط لا يجافي واقع المجتمع وثقافته وقيمه وأخلاقياته، وهنا أحد أسرار وخصوصيات التجربة الاماراتية التنموية بشكل عام.
الامارات تخطط للغد ولا لكنها لا تتنكر للأمس، بل هي حريصة تماماً على أن تمنح تطورها خصوصية مستمدة من قيم المجتمع وأخلاقياته، لذا فقد نجح شعبنا الكريم في التحول مع الاحتفاظ بشخصيته وسماتها الأخلاقية والانسانية والثقافية الأساسية، فلم يؤثر التطور في هذه الشخصية كما أثر في غيرها من التجارب التنموية اقليمياً وعالمياً.
للقدوة والنموذج دور حيوي في ذلك كله، وما نحتاجه، باعتقادي، في الامارات أن ندرس بشكل علمي منهجي تأثير هذه الشخصيات التاريخية في تجربتنا التنموية، وما منحته لها من تفرد وخصوصية، وهذا دور الباحثين
والمتخصصين في الجامعات والأكاديميات العلمية بالدولة، كي نحقق أكبر استفادة ممكنة على هذا الصعيد، وكي نحتفظ بهذا المخزون الهائل من الخبرات في ذاكرتنا الجمعية، فالتوثيق العلمي يختلف عن أي كتابات أو شهادات أخرى، ونحن دولة تشجع العمل الأكاديمي وتحرص عليه، ومن الضروري أن يكون تأثير النماذج الملهمة في تجربتنا التنموية الاماراتية موضوعاً لدراسات بحثية عميقة ومتخصصة.