الجولة التفقدية المفاجئة التي قام بها مؤخراً صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في بعض مواقع العمل بمدينة دبي ليست الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة إن شاء الله، فهي استمرار لنهج قيادي في العمل، يتسم بالشفافية والمصارحة والمكاشفة وعلاج الأخطاء أولاً بأول من دون تغطية أو إنكار لأي سلبيات قد تفرزها أجواء أي عمل إداري في العالم.
هذه الجولة التي حظيت باهتمام إعلامي واسع النطاق تمثل في أحد جوانبها تأطيراً وتكريساً لقيم العمل الجاد والمتابعة الميدانية الحثيثة، فهي رسالة واضحة إلى كل مسؤول في موقعه بأن يتابع موظفيه، وأن يعمل على تحسين جودة الخدمات المقدمة للجمهور، باعتبار أن هذه المتابعة هي العنصر الفاعل في نجاح الخطط وفاعلية الأداء الحكومي وتميزه.
ولاشك أن الحكومة الذكية في دولة الامارات العربية المتحدة تراهن بشكل كبير على التميز الابتكار والابداع في أداء خدماتها في مختلف قطاعات العمل بمختلف إمارات الدولة، ومن ثم فإنها بحاجة إلى عناصر مهمة لتحقيق هذا المستوى التنافسي، أولها المتابعة الدقيقة للعمل وتكريس النموذج القدوة في تحمل المسؤولية والاهتمام بالعمل وتفاصيله. إحدى أهم نقاط التميز في التجربة التنموية الاماراتية هي المكاشفة والسعي نحو تفادي أخطاء الآخرين مهما صغرت، إيماناً من القيادة بأننا لا نسعى إلى النجاح فقط بل إلى تنافسية عالمية تتطلب قدراً عالياً من معايير الدقة والابداع والابتكار، ومن ثم فإن التخلص من الثغرات والسلبيات مسألة بديهية من أساسيات العمل وثوابته اليومية.
لم تكن جولة صاحب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في بعض مواقع العمل الحكومية جولة لالتقاط الصور، وإلا كانت اكتفت بالصور التقليدية الدعائية التي اعتاد عليها معظم المسؤولين في عالمنا العربي، ولكنها كانت جولة لكشف الأخطاء والسلبيات وتوثيقها وإبلاغ "الرسالة" لكل مسؤول في موقعه أو إدارته، وهي ليست جولة جديدة أو مستحدثة كما ذكرت سالفاً، بل نهج متواصل في القيادة اعتادت عليه دولة الامارات العربية المتحدة منذ تأسيسها.
هذا النهج، أسسه المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، فهو من عرف بسياسة الباب المفتوح، ومتابعة العمل مع المسؤولين المباشرين بشكل يومي، ولم يكن هناك حجب أو وسائط بينه وبين المسؤولين الميدانيين عن العمل، وهناك مئات الروايات والقصص والحكايات التي تروي وتوثق لنهج وحكمة الوالد المؤسس طيب الله ثراه على هذا الصعيد. وقد استمر هذا النهج وتواصل في خريجي مدرسته جميعتهم، ومنهم بطبيعة الحال أبنائه الكرام من اصحاب السمو شيوخنا الأجلاء، حيث اعتاد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة حفظه الله على متابعة العمل بنفسه والسؤال عن التفاصيل، وهو نهج لعب دوراً محورياً في نجاح تجربتنا التنموية وتميزها. كما اعتاد على ذلك جميع شيوخنا الكرام، فأبواب المسؤولين ودواوينهم مفتوحة لأفراد الشعب جميعهم، والجميع يعرف ذلك ويتلمس نتائجه، وأسلوب قيادتنا في العمل يمثل نموذجاً فريداً في العلاقة بينها وبين شعبنا الوفي، الذي يبادلها إخلاصاً بإخلاص.
لم يكن غريباً إذن نهج صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في متابعة العمل اليومي بهذه الدقة والشفافية، فسموه رئيس الحكومة الذكية في دولتنا، وهو صاحب إنجازات نوعية هائلة على صعيد الارتقاء بمؤشرات التنافسية الاماراتية عالمياً، وهو قائد نهضة إمارة دبي ومكانتها العالمية، ومن ثم فمن البديهي
أن يصدر قائداً بهذا الحزم والحرص على المصلحة العامة قرارات فورية بمحاسبة موظفين كبار تقاعسوا عن أداء عملهم وأهملوا فيه.
هذه الروح في تحمل المسؤولية وأداء العمل بأقصى كفاءة وانضباط هي ماتحتاجه الامارات في السنوات المقبلة، وهذه هي الرسالة التي أراد سموه إبلاغها بجولته وقراراته الحاسمة خلالها، ومن ثم فقد تحولت الجولة إلى درس مهم لا يمكن أن تضاهيه عشرات القرارات والتعليمات، التي يمكن أن تصدر للتوجيه بالمعاني ذاتها.
بالأمس أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، أن المرحلة القادمة في دولة الإمارات تتطلب فكراً جديداً.. ودماءً جديدة.. وأفكاراً مختلفة لمرحلة نمو جديدة زادت فيها التحديات واتسعت الطموحات وارتفع سقف التوقعات، والهدف كما أعلن سموه من وراء ذلك كله هو "رفع مستوى معيشة مواطنينا وتحسين الخدمات المقدمة لهم". هنا قد يقول قائل: ألا تتمتع بالامارات بقدر هائل من التميز في المستويات المعيشية والخدمات المقدمة؟ والجواب بطبيعة الحال هو نعم، والمؤشرات الرسمية الدولية تشهد بذلك، ولكن الامارات تضع نصب أعينها دائما صعود درجات السلم إلى أعلاها، فطموحات قيادتنا الرشيدة، وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله لا حدود لها، ولا سقف، فالتنافسية وتبوأ مقعد الريادة عالمياً في معظم مجالات التنمية هو هدفنا، الذي يستحق أن نبذل من أجله مزيد من الجهد والعمل الجاد كل في موقعه ومنصبه.
يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم "الوظيفة الحكومية حياة كاملة في خدمة الناس.. ودولة الإمارات قامت على ثلة وهبت نفسها وحياتها لوطنها، لأنهم رأوا زايد وراشد وهبا ليلهما ونهارهما وغدوهما ورواحهما من أجل دولة الإمارات". ويضيف سموه: "نريد منكم النشاط الدائم، والأفكار المتجددة، والتعلّم المستمر والعزيمة القوية، لأن القمم تريد همماً.. والذي يريد المراكز الأولى يبذل الغالي من وقته لها" هذه هي الرسالة والأهداف التي تبتغيها الامارات، فالريادة العالمية هدفنا، والهدف غال وثمين، ويستحق أيضاً كل جهد ووقت، فالحفاظ على اسم الامارات ورايتها عالية خفاقة وسط الدول والشعوب غاية يتوق هذا الجيل من قادتنا العظام إلى تحقيقها، ونحن كمواطنين ومواطنات، نشاركهم طموحاتهم وأحلامهم ولسنا أقل منهم حماساً وتطلعاً لهذا الهدف الوطني.