لاشك أن الحوار يمثل أحد العناوين المهمة في زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة إلى الفاتيكان ولقائه قداسة البابا فرانسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية، فهذا اللقاء بالغ الأهمية على صعيد تكريس قيم التعايش والتسامح العالمي، وفتح باب الحوار من أجل البحث عن صيغ وحلول فاعلة للقضايا والأزمات في مختلف أرجاء المنطقة والعالم.
إن أحد أهداف هذه الزيارة المهمة كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان يكمن في أن "الإمارات بقيادة رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، لا تتردد أبدًا في المشاركة الفاعلة مع المجتمع الدولي في كل ما من شأنه تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية وبما يعزز قيم السلام والتعايش والعدالة في مناطق العالم المختلفة".
ولاشك أن هذه المساعي الإماراتية تنطلق من رؤية سياسة واعية بأسباب المشاكل وجذورها الحقيقية، وهو ما أكده سموه حين قال "إذا كانت نزعات التشدد والتطرف التي يشهدها العالم في الآونة الأخيرة ترجع في جانب منها إلى غياب ثقافة التعايش والحوار وقبول الآخر فإن هناك حاجة ماسة إلى تعزيز التعاون بين الدول كافة والمنظمات الإقليمية والدولية والأممية من أجل صياغة استراتيجيات تعزز من قيم الحوار البناء بين الثقافات واحترام المعتقدات والأديان ونشر ثقافة السلام بهدف التصدي لمحاولات تشويه الأديان والتحريض على الكراهية الدينية".
ومن هنا، فإن دولة الإمارات تنطلق في جهودها الدبلوماسية من تكريس قيمة الحوار والتعايش بين الحضارات والثقافات والأديان والشعوب على قاعدة التسامح والانفتاح بعيدًا عن نزعات التطرف والتعصب والعنف كما قال سموه أيضًا في تصريحه بمناسبة الزيارة.
إحدى نقاط الارتكاز المهمة في هذه الزيارة التاريخية أنها تتلاقى مع جهود بابا الفاتيكان، الذي يبذل جهودًا مضنية على صعيد التصدي للتطرف والتعصب والكراهية الدينية، ويواجه محاولات الاساءة للمقدسات الدينية بمواقف قوية حازمة وصارمة، ليضع بذلك أساسًا متينًا لتلاقي الحضارات والثقافات والأديان.
ثمة جزئية مهمة أيضًا تتمثل في أن هناك مشتركات قيمية بين الإمارات والفاتيكان بحثًا عن الأمن والاستقرار الدولي، فالجانبان لا يسعيان فقط إلى استئصال أفكار التعصب والعنف والتمييز، ولكنهما يسعيان أيضًا إلى مكافحة الفقر والجهل وثقافة الكراهية، وغير ذلك من عوامل تسهم في تغذية اجواء الصراع الحضاري والثقافي والديني بين الأمم والشعوب.
إن تحرك صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان يعبر عن رؤية سياسية واعية تستهدف تعزيز الجهد الدولي المضاد للعنف والإرهاب وثقافة الكراهية، التي تمثل أحد مغذيات الصراع الحاصل في دول ومناطق عدة من العالم في الآونة الراهنة، ويمثل تحديًا صعبًا يتطلب تضافر جهود الدول والمؤسسات والقادة والرموز الدينية من أجل مكافحة هذه الظواهر السلبية وتحصين المجتمعات الإنسانية ضدها.
شخصيًا، يعجبني في قداسة بابا الفاتيكان الحالي، اعتداله وإيمانه الشديد بقيم الوسطية والاعتدال والتسامح، فهو من رفض ربط الاسلام بالعنف ربطًا قسريًا، وقالها صراحة "إذا تحدثت عن عنف إسلامي ينبغي أن أتحدث عن عنف كاثوليكي، ليس كل المسلمين دعاة عنف" وهو موقف تاريخي يعبر عن وعي عميق بخطر الدفع باتجاه الصراعات الحضارية والدينية، كما يؤمن بقيمة التواصل والانفتاح الحضاري في هذا التوقيت الحساس من أجل انقاذ العالم من جنون دعاة العنف والإرهاب والصراع الحضاري.
والبابا أيضًا داعية للحوار والتسامح، لذا لم يكن من المفاجئ بالنسبة لي أن تسعى الإمارات إلى التعاون مع قداسته من أجل نشر هذه القيم الإنسانية المهمة التي تحتاج إلى تضافر كل الجهود من أجل تكريسها، بحثًا عن كل فرصة لبناء جبهة موحدة ضد كافة اشكال التعصب كما قال سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان في مقاله المنشور بمناسبة الزيارة بشبكة "سي إن إن" الأمريكية.
إن زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى بابا الفاتيكان هي رسالة متعددة الأبعاد، فهي تؤكد إيمان دولة الإمارات بقيمة الحوار والتسامح والتعايش والانفتاح والاعتدال واحترام الآخر وقبوله، باعتبارها قيم حضارية وانسانية مشتركة، تستحق من العالم المتحضر بذل الجهد اللازم لنشرها وتكريسها في المجتمعات كافة، باعتبارها الجدار الواقي ضد ثقافة الحقد والكراهية والعنف والإرهاب. كما إن جماعات العنف ودعاة التطرف والكراهية ينبغي أن تواجه بكل الجهود على المستويات الثقافية والسياسية والأمنية والعسكرية والدينية، فهي جماعات إجرامية لا علاقة لها بالأديان أو الدول او الأعراق.
إن العالم بحاجة إلى شركاء السلام والتسامح والتعايش، وأن يكون هؤلاء الشركاء على درجة من التواصل والتضامن والتعاون بما يتيح لهم خوض معركة انسانية نبيلة من أجل انقاذ اجيال مقبلة من الوقوع بين براثن التطرف والعنف والكراهية والإرهاب.