من يريد التعرف على النوايا الحقيقية للإرهاب فعليه أن يتفحص جيدا أهداف العملية الغادرة التي استهدفت الدبلوماسيين الإماراتيين مؤخرا في أفغانستان.
شهداء الواجب الإماراتيون الخمسة الذين اغتالتهم يد آثمة أثناء تأدية واحدة من أنبل المهام الإنسانية، كانوا ضمن بعثة إنسانية تقدم يد العون للشعب الأفغاني، والفقراء والمحتاجين منه على وجه التحديد، وبالتالي لم يعد هناك شك في أن الإرهاب لا يستهدف بناء دول أو الدفاع عن الدين الإسلامي أو غير ذلك من تخرّصات وأكاذيب وأوهام متكررة، بل الهدف الحقيقي هو ضرب القيم الإنسانية في مقتل واغتيال إرادة الخير لدى دول لا تسعى سوى لفعل الخير ونشره في دول يعرف الجميع حجــم معانــاة شعوبها وفقرائها، الذين غابوا عن ذاكرة العالم في غمرة الانشغال بالصراعات والأزمات المتوالية في مناطق شتى على الخارطة.
اللافت أن دولة الإمارات تكاد تكون من بين دول قلائل لا تزال تتذكر الشعب الأفغاني، وتلزم نفسها بواجبات إنسانية وإغاثية تجاهه، رغم ما تحملته الدولة من معاناة ومشقة في تأدية هذا الواجب، ورغم أنها تدرك مدى الخطر والمجازفة التي يحملها أبناؤها الدبلوماسيون في العمل في مناطق أفغانية لا يعرف عنها سوى الخطر والتهديد الأمني، ولكن يد الغدر الجبانة الآثمة لا تعرف مدى قدسية الرسالة التي يحملها دبلوماسيونا في أفغانستان، لذلك فقد امتدت لتدبّر ضدهم جريمة إرهابية استهدفت حياتهم، لتحول بينهم وبين مساعدة الفقراء والمرضى والمساكين من أبناء هذا الشعب الطيب الشقيق، الذي لا ذنب له في وجود ثلة من الإرهابيين أعداء الإنسانية من أبنائه.
اغتالت يد الإرهاب خمسة من أنبل أبناء الإمارات، الذين ذهبوا بمحض إرادتهم لأداء مهمة إنسانية نبيلة، لأنهم يدركون حجم المعاناة والمرض والكوارث الإنسانية التي يعانيها أبناء الشعب الأفغاني. ولكنّ الإرهابيين لا يدركون معنى الإنسانية ولا يعرفون لها طريقا، لذا فهم يحاربون كل من يعمل في المجال الإنساني، اعتقادا منهم بأنّ من يقدّم يد العون للشعب الأفغاني يعمل في اتجاه مضاد لمصالحهم.
تتبنى الإمارات منذ نحو 15 عاما برنامجا إنسانيا ضخما لإعادة إعمار أفغانستان. ويوم العملية الغادرة كان الوفد الإماراتي في زيارة لمدينة قندهار جنوب أفغانستان، ضمن هذا البرنامج، لوضع حجر الأساس لإنشاء دار خليفة بن زايد آل نهيان في ولاية قندهار، والتوقيع على اتفاقية للمنح الدراسية على نفقة دولة الإمارات، حيث ترتبط الإمارات والشعب الأفغاني بعلاقات قوية منذ عقود طويلة، وهناك الآلاف من أبناء هذا الشعب يشاركون بجدية في عملية التنمية بدولة الإمارات. ولتقدير حجم الاهتمام الإماراتي بدعم الشعب الأفغاني علينا أن نعرف أن حجم المساعدات الإنسانية، التي تقدمها دولة الإمارات لأفغانستان. وطبقا لإحصاءات رسمية، بلغ حجم المساعدات الإنسانية التي قدمتها الإمارات لأفغانستان خلال الفترة من عام 2009 حتى 2012 فقط، نحو 982 مليون درهم، كما دشن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وليّ عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة مبادرة بقيمة 440 مليون درهم إماراتي مساهمة منه في دعم الجهود العالمية لاستئصال مرض شلل الأطفال بحلول عام 2018 مع التركيز بشكل خاص على باكستان وأفغانستان. وفي عام 2011 أعلن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ومؤسسة بيل ومليندا غيتس عن شراكة استراتيجية تم خلالها تقديم مبلغ إجمالي قدره 367.3 مليون درهم إماراتي مناصفة بين الطرفين لشراء وإيصال اللقاحات الحيوية للأطفال.
وتستهدف مشروعات الإمارات في أفغانستان إنشاء الطرق والمرافق والجامعات والمدارس، حيث افتتحت في مارس 2008 جامعة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بولاية خوست، بتكلفة تبلغ نحو خمسة ملايين دولار، وتضم كليات للطب والهندسة والزراعة والتكنولوجيا والشريعة والقانون والآداب.
الجهود الإماراتية الإنسانية في أفغانستان لا علاقة لها بما يدور سياسيا وعسكريا في هذا البلد، فصندوق أبوظبي للتنمية موجود على أرض أفغانستان منذ عام 1977، وأسهم في إقامة مصانع ومشروعات يصعب حصرها في هذا النطاق الضيق، ما يعني أن الإمارات لا تمتلك أجندة أو مشروعات مصلحية ذات أهداف معينة في هذا البلد، فطيلة تلك الفترة التي توالت على أفغانستان فيها تطورات وحكومات وجماعات وتنظيمات عدة لم تكن الإمارات تركز سوى على انتشال فقراء هذا البلد من واقعهم البائس.
ولكن الإرهاب لا يعرف مثل هذه المبادئ ولا يدرك قيمتها الإنسانية، لأنّ الإرهابيين ينعمون بملايين التمويل التي يتلقونها من أطراف الصراع وجراء المتاجرة بالقضايا والمخدرات وغسل الأموال والسلاح وغير ذلك من مصادر تمويل الإرهاب الأعمى، الذي بات مثل الفيروس الخطر الذي يهدد الأمن والاستقرار في عالمنا، ويستحق مزيدا من الاهتمام والتعاون الدولي ليس فقط للقضاء على تنظيماته وجماعاته، بل أيضا ملاحقة كل مروّجي الفكر المتطرف والمتعاطفين معه، وكل من يقدم الدعم بشكل مباشر وغير مباشر لتنظيمات الإرهاب وعناصره في أيّ مكان على ظهر الأرض. ولعل الجميع يدرك الآن أن الإمارات الوفية لمبادئها الإنسانية باتت تدفع أثمانا غالية للالتزام بهذه المبادئ سواء في اليمن أو أفغانستان أو غيرهما من الدول.