لست أشك في غالبية العالم من حولنا يكاد يربط الإسلام أو العرب بالإرهاب، ولعل "داعش" و"القاعدة" وغيرهما من تنظيمات الإرهاب هي في مقدمة الأسماء التي تقفز إلى ذهن هؤلاء عندما يذكر اسم العرب أو الإسلام أو حتى منطقة الشرق الأوسط أمامهم، أو يطالعون خارطة العالم بحثاً عن موقع لدولة أو مدينة.
الحقيقة التي لا مراء فيها أن تنظيمات الإرهاب هي بالفعل أحدى العناوين التي لا يمكن إنكار وجودها في منطقتنا العربية، ولكن منطقتنا لا تقتصر على هذه الكائنات الطفيلية، التي تعد مثل الفيروسات التي اقتحمت جسد المنطقة ولا تريد أن تغادره رغم الجهود المكثفة التي تبذلها قوى إقليمية ودولية عدة، والسبب لا يكمن في قوة هذه التنظيمات الخبيثة بل لأنها ظلت لسنوات طويلة تعمل تحت نظر وبصر العالم من دون تصد حقيقي جاد لها، ومن دون تعاون دولي مكثف وصارم لاستئصال جذورها، وذلك بسبب تضارب المصالح الاستراتيجية وتصارعها في هذه المنطقة الحيوية من العالم.
الإشكالية أن العالم يكاد يختزل العرب والدين الإسلامي في "داعش" و"القاعدة"، أو بمعنى أدق في الإرهاب وتنظيماته، وهذا الأمر له عذره بسبب ما ذاقه العالم من حولنا من جراء اعتداءات الإرهاب الوحشية ليس فقط في العراق وسوريا وليبيا فقط، بل في فرنسا وألمانيا وتركيا ومن قبلها الولايات المتحدة وغيرها من دول العالم.
الحقيقة أيضاً أن العرب والمسلمين لهم وجه آخر مشرق، وهو الوجه الحقيقي الذي يتمثل في النموذج الحضاري الذي تقدمه دولة الامارات العربية المتحدة بمقدرة قيادتها الفذة على توظيف الموارد لمصلحة العالم أجمع، ولا أقول للشعب الاماراتي، الذي يعد من أسعد شعوب العالم، فقط، فالإمارات تحتضن على أرضها ملايين البشر من أكثر من مائتي جنسية يستمتعون بحصاد عملهم المثمر ومشاركتهم الفاعلة في مسيرة التنمية والبناء في واحدة من أعظم تجارب الانسان وبناء الدول على مدار التاريخ.
الامارات هي النموذج الحقيقي للإسلام وسماحته وتسامحه واعتداله ووسطيته، وهو النموذج التطبيقي لمنظومة القيم الروحية لهذا الدين العظيم، وينبغي على العالم أن يدرك أن الامارات هي الوجه الحقيقي للعرب والإسلام، وليست "داعِش" و"القاعدة" وليس من المنطقي بتاتاً الاستسلام لفكرة الربط بين الإسلام والإرهاب في ظل وجود أسباب قوية تنكر هذا الربط وترفضه، وفي مقدمتها نموذج الامارات بانفتاحها وحضارتها الإنسانية التي ترتبط ارتباطا وثيقاً بقيم الدين الإسلامي الحنيف.
النموذج الاماراتي تجسد بقوة في كثير من الفعاليات التي تقام على أرض الدولة، وأحدث هذه التجليات كانت في القمة العالمية للحكومات التي عقدت دورتها الأخيرة منتصف شهر فبراير الجاري، حيث انطوت هذه القمة على دروس عدة لمنطقتنا والعالم أجمع، فالنخب التي التقت من العالم أجمع حول فكرة هذه القمة الرائدة، لم يكن يشغلها سوى المستقبل ومفرداته ولوازمه وشواغله، من إبداع وابتكار وتميز وفرص، وطموحات وغير ذلك من مفاهيم ومفردات ترددت أصدائها بين جنبات قاعات القمة طيلة الأيام الثلاث التي عقدت خلالها.
وقد شدني في جلسات هذه القمة أنها تختزل فلسفة العمل على أرض الامارات، فالتفكير كله ينصب حول المستقبل وتحدياته وفرصه وحلوله وبدائله ومبادراته غير التقليدية، التي تستهدف جميعهاً دعم الأداء الحكومي في مختلف دول العالم، وتقديم حلول من خارج الصندوق للقضايا والإشكاليات المجتمعية والتنموية، وهي في مجملها مهمة الامارات لإسعاد البشرية.
كأنني أرى الامارات مهمومة بعالمها، وتريد دوماً أن تقوده إلى الرفاه والسعادة، فـ "دولة الإمارات العربية المتحدة تفتح أبوابها دائماً لكل دول العالم لتبادل الرؤى والأفكار حول كل ما يحقق التنمية والسعادة للبشرية، من منطلق إيمانها بوحدة المصير الإنساني وأن تطوير عمل الحكومات هو الضامن الأساسي لتحقيق الاستقرار والسلام داخل المجتمعات" كما قال الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي.
هذه القمة باتت قاطرة حقيقية للتنمية البشرية والتطوير الحكومي في العالم منذ انطلاق دورتها الأولى في عام 2013، وباتت التجمع الأكبر عالمياً والمتخصص في استشراف حكومات المستقبل. وهذه القمة التي تركز على محاور رئيسية هي استشراف المستقبل، ووضع السياسات، والتكنولوجيا، وتقديم الخدمات، والابتكار، في إطار السعي لجمع القطاعات الحكومية والخاصة والمجتمع المدني تحت مظلّة واحدة، وتستهدف بدء حقبة جديدة من المسؤولية، حيث يتعين على الحكومات السعي نحو تقديم خدمات أفضل لشعوبها بطرق أكثر استدامة، هذه القمة هي أحد تجليات ومظاهر الوجه الحقيقي لعالم عربي وإسلامي يسعى إلى استئناف مسيرته الحضارية كما قال الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي والهدف هو تحسين حياة المواطنين حول العالم، من خلال تمكين المؤسسات بالمعرفة والابتكارات الملهمة والبحث عن إجابات لأسئلة الغد وتعزيز جاهزية حكومات العالم لتحديات المستقبل على أمدية مختلفة، فهذه القمة ببساطة هي هدية الامارات للعالم، ومساهمة تنموية ومعرفية رئيسية تقدمها الدولة لكافة دول العالم.
هذه القمة أيضاً هي تجسيد لرسالة الامارات، التي عبر عنها خير تعبير الشيخ سيف بن زايد آل نهيان في محاضرته أمام القمة حين قال "سنوصل مساعداتنا الانسانية إلى المحتاجين لها في أي مكان في العالم وسنستمر في دحر الشر وتقديم الخير وسنحارب الإرهاب إلى أبعد مدى"، وهذه هي رسالة الامارات الحضارية والإنسانية للعالم، وهذا هو الوجه الحقيقي للإسلام والعرب والشرق الأوسط يشرق على العالم من أرض الإمارات.