"مصر هي البعد الاستراتيجي المهم لعالم عربي واثق من قدراته غير قابل للتدخلات الإقليمية في شؤونه"، هذا هو نص ما قاله صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، خلال استقباله وزير الخارجية المصري سامح شكري، مؤخراً، وهي تمثل الأساس الاستراتيجي للعلاقة مع جمهورية مصر العربية الشقيقة خلال الفترة الراهنة والمقبلة، بل يجب أن تكون المبدأ الاستراتيجي لأي تحركات عربية خلال المدى المنظور صوناً للأمن القومي العربي، وفي القلب منه الأمن الوطني الخليجي.
أهمية هذه التصريحات تأتي من خلال عوامل عدة أهمها عنصر التوقيت حيث جاءت هذه التصريحات لتضع النقاط على الحروف في وقت يثير فيه الكثير من المغرضون وتنظيمات التطرف وغيرهم من الأطراف التي تعمل على تخريب العلاقات العربية ـ العربية، وتفكيك علاقات التحالف بين الدول التي باتت تمثل ركائز للعمل العربي المشترك في المرحلة التاريخية الراهنة، ومن ثم فقد جاءت هذه التصريحات لتزيل غبار الشكوك والالتباسات المثار حول هذه الجزئية، ولتؤكد أن دولة الامارات العربية المتحدة لم تبدل نظرتها الاستراتيجية للعلاقة مع مصر الشقيقة، وأن هذه العلاقات لا تزال الركن الركين للفكر الاستراتيجي في دولة الامارات. والعامل الثاني أن هذه التصريحات المهمة جاءت لتؤكد التلاقي في وجهات النظر الإماراتية ـ المصرية حول ركائز الأمن القومي العربي، وأن التدخلات في شؤون الدول العربية من قوى إقليمية في مقدمتها إيران، غير مقبولة تماماً، وأن أساس التفاهم العربي ـ العربي هو رفض أي تدخلات في شؤون دوله، وبالتالي فإن هذه التصريحات تعبر أيضاً عن موقف حيوي يخص موقف الأشقاء في مصر حيال دور إيران الإقليمي.
هناك تكهنات ومزاعم إعلامية كثيرة حول تحالفات إقليمية جديدة، فالبعض يزعم أن مصر قد دخلت في تحالف مع إيران وروسيا ضد دول مجلس التعاون، وآخرون يرون أن مصر ضحت بعلاقاتها مع هذا الطرف او ذاك، في يزعم فريق ثالث أن مصر تنكفئ على داخلها بسبب مشاكلها الاقتصادية العميقة، وهذه المزاعم والتحليلات هي في معظمها تستهدف الوقيعة بين مصر وأشقائها من دول مجلس التعاون، ومن ثم فإن تصريحات سموه تنطوي على ذكاء قراءة المشهد الاستراتيجي والتعاطي معه بما يستحق من دون إشارات مباشرة إلى ما يقال من مزاعم أو الالتفات لها لأنها مجرد دعايات رخيصة تصدرها أطراف معروفة بتوجهاتها وعدائها لكل ماهو عربي، يعاونها قوى وأطراف تسعى للنخر في جسد الأمة العربية بسبب جهلهم ومؤامراتهم الدنيئة.
موقف دولة الامارات وقيادتها الرشيدة، وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ حيال مصر معروف للجميع، ولا مجال للطعن أو التشكيك فيه، ولكن تظهر بين الفينة والأخرى شائعات ومزاعم تستهدف طعن ثوابت العلاقات والتشكيك في مجريات الأمور من خلال الغمز واللمز واستغلال إشارات وتحليلات موجهة لإثارة الشكوك لدى الشعوب حول حدوث تغيرات ما في مجرى علاقات تاريخية عميقة لا تتزعزع؛ ومن ثم فقد جاءت هذه التصريحات لتزيل، بل تنسف أي شكوك من أي نوع حول مسار العلاقات المصرية مع الامارات.
تصريحات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان هي أيضاً رسالة لكل الدول العربية التي تبحث عن أمن واستقرار شعوبها بضرورة التكاتف والتعاون وتجاوز تحديات المرحلة الراهنة، والانتباه إلى ما يحيط بدولنا العربية من أخطار ناجمة عن التدخلات والأطماع التوسعية التي ترتدي ثوباً طائفياً بشعاً يمكن أن يهلك الحرث والزرع في منطقتنا، التي دفعت أثماناً باهظة للأطماع الإقليمية الطائفية البشعة.
هذه التصريحات تكتسب أهمية مضاعفة أيضاً من خلال البيئة والظروف الدولية الراهنة، التي تبدو في غاية التعقيد والتشابك ويصعب التكهن بمساراتها، فهناك دول عربية عريقة مستقبلها يبدو مفتوحاً أمام السيناريوهات كافة، وفي مقدمتها سوريا، ولذا فإن من الضروري التأكيد على ثوابت التحرك العربي في هذه المرحلة، وأهم هذه الثوابت رفض أي تدخلات خارجية والنص على عبارة "عالم عربي لايقبل التدخلات"هو ربط شرطي رائع في صياغته ومعبر في مضمونه ومكنونه، وهو الموقف الذي ينتظره العرب جميعاً من شخص بقامة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي أثبت غير مرة حرصه الشديد على مصالح شعوبنا العربية ومكتسباتها وأمنها واستقرارها، وها هو الآن يحافظ على أساس ذلك كله ممثلاً في التمسك بمصر كعمق استراتيجي للأمن القومي العربي.