في مؤتمر دولي مهم نظم في القاهرة مؤخرا برعاية الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين، حذر أحمد الطيب شيخ الأزهر، من ظاهرة “الإسلاموفوبيا”، وهي ظاهرة تستشري في الغرب وتغذي صراع الحضارات والأديان وتعيد النعرات التي سادت العالم، وعانت القارة الأوروبية ويلاتها خلال حقبة العصور الوسطى.
تحدث شيخ الأزهر بصراحة في مؤتمر “الحرية والمواطنة.. التنوع والتكامل” وذهب إلى مساحات جديدة من الحوار بين الأديان، وهي مساحات فراغ خاوية من النقاش، وتناول العلاقة بين الأديان جميعها والإرهاب، وفكك الاتهامات المترددة في هذا الشأن بشكل موضوعي أمام وفود نحو 50 دولة.
حلل فضيلة شيخ الأزهر ما يقال بشأن العلاقة بين الإسلام والإرهاب، مشيرا إلى أن الأزمة الحقيقة في التطرف تكمن في فهم حقيقة الدين ومغزى الأديان والرسالات السماوية كلها، ومعبرا عن انزعاجه الشديد من تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب وانعكاساتها المتزايدة على المسلمين في جميع دول العالم، الأمر الذي يمثل هدية مجانية تقتات عليها تنظيمات الإرهاب، بل إن ضحايا هذه “الفوبيا” هم من سيبحثون لاحقا عن تنظيمات الإرهاب للانضمام وبعث الروح فيها من جديد إن ماتت أو قضي عليها في بعض المناطق. وضع شيخ الأزهر النقاط على الحروف أيضا بشأن تبرئة الإسلام من الإرهاب، وقال إن رفض هذه العلاقة غير كاف، وأن الحل يتمثل في بناء قنوات حوار وتعاون بين ممثلي الأديان جميعها.
اتهم شيخ الأزهر من أسماهم بـ”سماسرة الحروب وتجار الأسلحة ومنظري فلسفات الاستعمار الجديد” بالنفخ في الظاهرة الإرهابية وتغذيتها على حساب الدين الإسلامي، واصفا ما يحدث من حولنا بأنه “صور كارثية” تزداد اتساعا وقتامة. كان الطيب واضحا حين حرص على وصف جماعات الإرهاب بالشرذمة الشاردة عن نهج الدين، محذرا من خطرها حين قال “هذه الشرذمة الشاردة عن نهج الدين كانت إلى عهد قريب محدودة الأثر والخطر، وكانت من قلة العُدَّة وضعف العتاد عاجزة عن تشويه صورة المسلمين، إلا أنَها الآن، أوشكت على أن تجيش العالم كله ضد هذا الدين الحنيف”.
العالم يعيش مشهدا عبثيا في غاية الخطورة والكثيرون يتحدثون عن خطر مزعوم للإسلام والمسلمين من دون وعي بتبعات وتوابع ما يتحدثون عنه، فالكراهية وثقافة النبذ ورفض الآخر، جميعها عوامل في غاية الخطورة على هذه المجتمعات نفسها قبل أن تكون خطرا على الإسلام والمسلمين.
الإسلام بات مكوّنا أساسيا من ديموغرافيا الغرب بدرجات متفاوتة، وبالتالي فإن محاربة المسلمين وتشويه صورتهم بهذا الشكل الذي لا يتناسب مع ما وصلت إليه البشرية من رقي وتحضر وتعايش، يمثلان تلاعبا بأسس بناء هذه الدول والمجتمعات ويشكلان استدعاء غير مبرر لماض بائس شهد صراعات مدمرة ولم يخرج منها العالم سوى بعد سفك دماء الملايين من البشر.
من يظن أن النفخ في نار العداء للإسلام واهم ولم يقرأ التاريخ أو لم يستوعب دروسه، ومن المستحيل أن يقتنع عقل ناضج بأن تنسحب جريمة يرتكبها بضعة آلاف من إرهابيي داعش والقاعدة على أكثر من مليار مسلم، فالمسلمون ليسوا كما يزعم بعض الساسة اليمينيين المتطرفين صامتون حيال الإرهاب، ومن يقول بذلك لا يدرك جوهر المجتمعات المسلمة التي تعايش فيها الجميع طيلة قرون من دون إشكاليات تذكر.
لو كانت المشكلة في الإسلام لظل أتباعه في صراعات مع الأديان الأخرى منذ بداية الوحي حتى الآن، ولكن هذا لم يحدث، فالإرهاب لم يطل برأسه سوى في العقود الأخيرة، تحديدا منذ بداية الغزو السوفييتي لأفغانستان ونشأة ما يعرف بظاهرة “الجهاديين”، كما يعرف الجميع الدور الأساسي الذي لعبه الغرب في التأسيس للظاهرة وتمويلها بالسلاح والعتاد خلال الحرب الباردة، ثم حدث أن دفعت الدول والشعوب العربية والإسلامية فاتورة غالية لكل هذه الخطط والمؤامرات.
يدرك أي عاقل من يقف وراء الإرهاب الآن، فقادة القاعدة وأسرهم عاشوا بأمان في إيران وأفغانستان خلال فترة حكم طالبان، ولم يقطنوا الرياض ولا القاهرة ولا دمشق ولا بغداد، كما أن البغدادي زعيم تنظيم داعش هدد باجتياح حدود السعودية والكويت ولم يهدد باجتياح إيران ولا دخول مدينة قم.
ومن المفارقة أن تزعم دولة مثل إيران محاربة الإرهاب في حين أنها لم تتعرض لجريمة إرهابية واحدة سواء داخلها أو ضد مصالحها في الخارج، وخارطة داعش المزعومة امتدت لتذيب دولا عربية ذات سيادة ولم تمسّ أو تتماس مع حدود إيران.
تحالفات مشبوهة تغذي الظاهرة الإرهابية وتتخذ منها ستارا لتنفيذ خطط توسعية في دول المنطقة، وعلى العالم أن يفيق من غفوته قبل أن يدفع المزيد من الضحايا.