السيناريو الأسوأ في اليمن أن يتحول إلى ساحة لتجميع تنظيمات الإرهاب وفلوله الهاربين من العراق وسوريا، ويتحول إلى مركز لتجميع الفارين من ملاحقة الحرب الدولية عليه هناك؛ حيث يمكن أن يتسبب هذا السيناريو في إطالة أمد الاضطرابات على أرض هذا البلد الشقيق، ويصبح من الصعب استكمال ومواصلة خطط المساعدات الإنسانية والاغاثية التي تنفذها دولة الامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، بل يضع مستقبل هذا البلد الشقيق في مهب الريح لا قدر الله.
هذا القلق نابع مما ذكرته صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية في تقرير لها نشرته مؤخراً، من أن عناصر تنظيم "داعش" الهاربين من سوريا والعراق يقصدون اليمن مستغلين الفراغ الأمني للانضمام إلى الحرب، التي بدأت تأخذ "طابعا طائفيا هناك". ويقول التقرير إن الحرب بين المتمردين الحوثيين وحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، بدأت تأخذ "طابعا طائفياً"، وهو ما يوفر مناخا لانتشار أفكار المتشددين وتوسع نفوذهم.
ويشير التقرير إلى أن تنظيم "داعش" له نشاط في اليمن، ولكن عناصره لا يشكلون قوة كبيرة هناك، إذ يعد تنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" هو الأقوى من حيث النفوذ والتأثير، ولكن "داعش" قد يعيد بناء نفسه في اليمن، انطلاقاً من فرعه هناك، وقد يؤدي هذا إلى مواجهات بين عناصره وعناصر تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، نظرا للاختلافات بينهما بشأن إعلان "الخلافة"، وأسلوب التعامل مع المدنيين، مما ينذر باستمرار الاضطرابات في اليمن، لكن التقرير لا يستبعد أيضاً أن يؤدي تدفق عناصر التنظيم على اليمن إلى تعزيز صفوف "القاعدة" لأن الفريقين لهما هدف مشترك هو قتال الحوثيين الشيعة، وقد يتفق الطرفين ضد "الحوثيين".
من المعروف أن دول التحالف العربي قد أطلقت حملتي "عاصفة الحزم" ثم "إعادة الأمل" تلبية لنداء الحكومة الشرعية بعد أن حاول الحوثيين تقويض أسس الشرعية الدستورية في هذا البلد الشقيق، والاستيلاء على مفاصل الدولة وتحويلها إلى ساحة للعب بالوكالة لمصلحة إيران بما يعنيه ذلك من ضرر بالغ بمصالح الشعب اليمني وأمنه واستقراره. ولم تكن حملة "التحالف العربي" تدخلاً في الشأن اليمني بل جاءت وفق مواثيق ومقررات الأمم المتحدة، لأن دول مجلس التعاون قد تبنت منذ عام 2011 رعاية اليمن من خلال المبادرة الخليجية التي مثلت الإطار التوافقي لتحقيق الانتقال السياسي في اليمن وضمان عودة الأمن والاستقرار إلى ربوعه. ولكن الحوثيين، بإيعاز من إيران والمخلوع علي عبدالله صالح، اتجهوا إلى تقويض ما تم بنائه وسعوا للسيطرة على السلطة، ووضع الجميع أمام الأمر الواقع، ولكن دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، اتخذت قراراً حازماً في توقيت بالغ الأهمية لقطع دابر التدخل الإيراني في الشأن اليمني.
لم يكن خطر وجود تنظيمات الإرهاب على أرض اليمن بعيداً عن دائرة التخطيط الاستراتيجي لدول التحالف العربي، فالتصدي لخطر هذه التنظيمات وضع ضمن أهداف التحالف العربي لاحقاً، فقامت القوات الإماراتية بشكل كفاءة وشجاعة بتحرير مدينة المكلا بعد عام وأكثر من سيطرة تنظيم "القاعدة" عليها، حيث تعرض التنظيم لخسارة مهينة في هذه المدينة على يد قوات يمنية مدعومة من القوات الخاصة الإماراتية. كما أسهمت القوات الإماراتية بالتعاون مع القوات اليمنية في تحرير أجزاء واسعة من شرق اليمن من قبضة "القاعدة"، وهي مناطق كان التنظيم الإرهابي يتواجد فيها بكثافة حتى أيام حكم المخلوع علي عبدالله صالح.
وتعمل الامارات في اليمن من أجل مصلحة هذا الشعب، الذي تربطنا به علاقة أخوية تاريخية لا يمكن معها التنصل من مسؤولياتنا حياله، بل إن الامارات قد ضحت، ولا تزال، بدماء أبنائها من أجل الدفاع عن أمن هذا الشعب واستقراره في مواجهة قوة باغية تريد أن تفرض عليه أجندتها ومشروعها المرتبط بإيران. فالإمارات التي بلغت قيمة مساعداتها للأشقاء في اليمن منذ شهر أبريل 2015 نحو 1.6 مليار دولار، لا تستهدف سوى مساعدة الأشقاء اليمنيين من أجل ضمان أمن واستقرار بلدهم.
ورغم ما سبق، فإن التطور الخاص بتحول فلول "داعش" إلى اليمن هو تطور يستحق الانتباه والاهتمام من المجتمع الدولي، لأن حدوث ذلك يعني أمور بالغة السلبية بالنسبة للأوضاع في هذا البلد الشقيق، ومن ثم يجب الإسراع بتوفير دعم دولي قوي للضغط على جميع الأطراف اليمنية للالتزام الجاد بالعملية السياسية، وهنا يقع العبء الأكبر على الأمم المتحدة لتحقيق هذا الهدف الحيوي بدلاً من تحول اليمن إلى بؤرة جديدة من بؤر انتشار خطر "داعش"، كما يجب أيضاً الضغط على إيران للكف عن تهريب الأسلحة إلى الحوثيين.
لم يكن العالم ينتظر طرد "داعش" من سوريا حتى يواجه خطره مجدداً في اليمن، ومسألة صدام المصالح بين "داعش" و"القاعدة"ن كما تقول صحيفة "فايننشال تايمز"، ليست واردة بل إن ضحية تحالف التنظيمين تكتيكياً سيكون الشعب اليمني، الذي سيكتوي بنار قتال تنظيمات التطرف والإرهاب والحروب بالوكالة، ووقتها قد يصعب على المجتمع الدولي استئصال شأفة هذه التنظيمات من الأراضي اليمنية نظراً لاختلاف التضاريس بين سوريا واليمن، وسهولة اختفاء عناصر الإرهاب في الكهوف والجبال اليمنية، التي يمكن ان يخوضوا من خلالها معارك طويلة الأمد تنهك العالم، والأهم من ذلك القضاء على فرص الأمن والاستقرار في هذا البلد الشقيق خلال المدى المنظور.