صناعة الأمل تحولت في الفترة الأخيرة إلى مبادرة إماراتية أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، من خلال مبادرة أطلق عليها مسمى “صناع الأمل”، وهي أكبر مبادرة عربية تهدف إلى تكريم البرامج والمشاريع والمبادرات الإنسانية والمجتمعية التي يسعى أصحابها من خلالها إلى مساعدة الناس دون مقابل ونشر الأمل وترسيخ قيم الخير والعطاء وتعزيز الإيجابية والتفاؤل وتحسين نوعية الحياة في مجتمعاتهم واحداث فرق في حياة الناس.
المبادرة إذا تستهدف تشجيع صناع الأمل ضمن إطار واسع يستهدف تعزيز هذه الصناعة في منطقتنا، ونشر الخير في جميع ارجاء عالمنا العربي كما قال سموه، كما تستهدف هذه المبادرة بناء القدوة والنموذج وترويجه في منطقة لا تكاد تصدر للعالم من حولنا سوى أخبار سلبية، معظمها يتعلق بالحروب والصراعات والقتل والذبح والفساد وغير ذلك من أخبار ظلامية ترسم صورة نمطية قاتمة للمنطقة العربية في عالم لم يعد يرى فيها سوى مرتع كبير للإرهاب والفساد والكثير من أمراض الدول والمجتمعات.
من الصعب تحقيق تغيير إيجابي في مجتمع ما سوى من خلال استراتيجية واضحة وإرادة فولاذية لإحداث هذا التغيير، وصناعة القدوة هي حجر الأساس على هذا الدرب، وتسهم في قطع شوط كبير عليه. ويقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم “نحن أمة لم تيأس ولن تيأس وهناك موجة إحباط وتشاؤم في عالمنا العربي لا بد من محاربتها ولا يمكن لأية أمة أن تستأنف حضارتها إذا تمكن اليأس منها ومن شبابها والجميع مسؤول عن صنع الأمل في منطقتنا”، وأرى أن هذا الكلام بالغ الأهمية، لأنه يعكس إدراكاً واعياً لخطر الإحباط، وانتشار التشاؤم واليأس بين قطاعات المجتمع، لاسيما الشباب منهم، فكل الأمراض التي تعانيها كثير من المجتمعات والدول العربية ناجمة أو ذات صلة وثيقة بمسألة انتشار اليأس والإحباط، والأمر لا يقتصر فقط على الإرهاب، بل يمتد ليشمل انتشار المخدرات والفساد والسرقة والتحرش وانتهاك حقوق الآخرين والاعتداء على حرياتهم وغير ذلك من آفات لا يمكن فصلها عن انتشار أجواء اليأس والإحباط في هذه المجتمعات، فغلق أبواب الأمل يعني بالتبعية فتح أبواب اليأس كما قال سموه.
من يسعى إلى بناء حضارة أو استئناف مسيرة حضارة ما عليه أن يخطط أولا لبناء قاعدة ارتكاز أخلاقية ومنظومة قيم معنوية لابد منها، فالأخلاق هي الضمانة الحقيقية لقوة البناء، ولم يذكر التاريخ أن هناك حضارة حقيقية قامت واستمرت من دون بعد أخلاقي وقيمي. وصناعة الأمل، باعتقادي، هي إحدى أهم أدوات وآليات مكافحة التطرف والتشدد، فنشر الخير والتوجه نحو التغيير الإيجابي يمثل النقيض من أفكار مروجي ثقافة الموت والهلاك في سبيل وعود مستمدة من فهم مبتسر للدين الحنيف.
انحسار الحضارة العربية لم يكن لسبب “جيني” أو ديني أو مادي، بل لأن الأمم والحضارات تمر بفترات مد وجزر، ودورات حياة شأنها شأن الانسان كما قال المفكرون، ومن هنا فالحضارات جميعها نشأت وازدهرت ثم ما لبثت أن انحسرت وانطفأ بريقها، وهذا أمر طبيعي، ومن ثم فإن استئناف هذه الحضارة يتوقف على توافر ظروف وعوامل محددة مثل المقدرة على ايقاظ محركات الحضارة من مرقدها، ونشر روح الحماس وبثها مجدداً بين أبناء ماض تليد لعلهم يستفيقون ويسعون إلى إحياء هذا الماضي.
الامارات يمكن أن تلعب دور قاطرة الاستئناف الحضاري، فقد أصبحت تمتلك مقومات نموذج الالهام كافة، وحيث باتت تنافس الدول والمجتمعات الأكثر رقياً وتقدماً في العالم حول مؤشرات التنمية والتطور والسعادة ورخاء الانسان. والتعليم هو البوابة الحتمية لاستئناف الحضارة في عالمنا العربي، ومن دون أن يتحول التعليم إلى مشروع قومي تخصص له الإمكانيات والموارد اللازمة، ويحصل على الاهتمام الأساسي للقادة والحكومات، فلن يجدي أي حديث عن استئناف الحضارة أو عن التقدم والتطور. واستنهاض أمتنا العربية مهمة بالغة الصعوبة وليست أمراً هيناً على الإطلاق، فالواقع العربي سيء للغاية، وهذا ليس سراً على أحد، بل إن الوصول إلى تشخيص دقيق لإشكالياتنا التنموية ربما يبدو صعباً، ولكنه ليس مستحيلاً بطبيعة الحال، فليس لدى معظم دولنا العربية إحصاءات دقيقة ولا حديثة للأداء في معظم القطاعات التنموية، وليس لديها بيانات حقيقة حول معضلات مثل الفقر والبطالة والفساد ، والكثير من الأرقام المتداولة هي أرقام للدعاية السياسية، والبعض منها لم يتم انتاجه وفق عمل منهجي ومؤسسي سليم، وعبارة “لا تتوافر معلومات” تملأ الخانات الإحصائية حول التنمية ومؤشراتها في كثير من الدول العربية!! وإذا لم تتوافر معلومات دقيقة حول الواقع فمن الصعب الحديث عن تخطيط دقيق سواء في التعليم أو الصحة أو البنى التحتية أو غيرها!!
صناعة الأمل تتطلب واقعاً وعملاً جاداً وليست امنيات وتمنيات، وما يفعله صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم هو تهيئة الأجواء والمناخ اللازم ومنح طاقة إيجابية فاعلة للبيئة من حولنا والاسهام قدر الإمكان في سحب القاطرة العربية، ورسم خارطة طريق لهذه الصناعة المستقبلية التي نرى فيها الأمل للخروج من عنق الزجاجة العربي، والأمر يتطلب أن ينخرط الجميع في عالمنا العربي في هذه المبادرات الإيجابية، فالمستقبل مسؤولية الجميع.