هناك مؤشرات عدة على أن ملالي إيران باتوا يشعرون بقلق حقيقي من استبعادهم من التفاهمات المرتقبة لعقد “صفقة” دولية حول سوريا. المتغيّر الأحدث بالنسبة إلى الموقف الإيراني في سوريا يتمثل في التهديدات التي يطلقها قادة تنظيمات شيعية موالية لإيران في سوريا ضد إسرائيل. فمؤخرا أعلن متحدث باسم ما يعرف بتنظيم “النجباء” أنه على استعداد لتحرير الجولان السوري إذا طلب بشار الأسد منه القيام بذلك. والأمر لا يقتصر على هذا التصريح، بل إن الحرس الثوري الإيراني قد أعلن على لسان أحد مسؤوليه أن بإمكانه “تدمير إسرائيل”، فيما تحدث أحد قادة الحشد الشعبي الشيعي العراقي عن تشكيل كتائب لتحرير الجولان. وهي سلسلة من التصريحات المتتالية الغريبة واللافتة في مواقيتها ومضامينها في ضوء التاريخ القريب للتدخل الإيراني في سوريا، والذي لم يكن يقترب من الجولان لا بالحديث ولا بالرصاص، فماذا جدّ إذن حتى تزجّ هذه التنظيمات بالجولان في تصريحاتها؟
لا يخفى على أحد أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتجه فعليا إلى بلورة استراتيجية تطويق واحتواء جديدة ضد إيران، حيث وأدت فكرة المواجهة المباشرة معها تماما، وبات الخيار الأقرب يتمثل في تقليص نفوذها وبتر أجنحتها الممتدة في سوريا والعراق. ومن هنا يشعر الملالي بفزع شديد جراء بروز احتمالية عالية لضياع جهودهم طيلة السنوات الأخيرة في توسيع النفوذ وهدر المليارات من الدولارات على الخطط التوسعية، ناهيك عن خسائر البشر، وهي بالآلاف. ولكن نظام الملالي لا يبالي بمثل هذه الخسائر، ولا يضعها ضمن حساباته لأنه يجلب مرتزقة من هذه الدولة أو تلك ويدفعهم للقتال تحت رايات الحرس الثوري.
التعاون والتنسيق الروسي-الأميركي في سوريا مسألة محسومة ولا جدال فيها، وهناك من الشواهد ما يؤكد أن روسيا تتجاهل حلفاءها الإيرانيين وقت اللزوم وحين يجد الجد، ومن ثم فإن تهديد التنظيمات الشيعية الموالية لإيران ضد إسرائيل يستهدف مباشرة جلب العامل الإسرائيلي إلى ساحة المواجهات في سوريا بشكل مباشر لا مستتر، فإسرائيل فيما سبق ليست غائبة عن حرب ضروس تجري على حدودها.
لا تبدو اللعبة الإيرانية بشأن جلب إسرائيل إلى أرض سوريا سوى رهان فاشل من البداية، لأن روسيا والولايات المتحدة لن تسمحا بتدخل إسرائيلي مباشر يعقّد الأوضاع في الساحة السورية أكثر مما هي عليه الآن، ومن ثم فإن البديل الأوحد هو ضمان مصالح إسرائيل وأمنها من خلال طرد الميليشيات الإيرانية بعيدا عن حدود إسرائيل، وربما طردها من سوريا بالكامل.
الآن وقد اقترب تنظيم داعش من خط النهاية في سوريا والعراق، ولم تعد هزيمته واندحاره سوى مسألة وقت يحدده “اللاعبون الكبار” وفقا لمسار وحسابات الصفقة الجارية حول “كعكة المصالح”، فإن إسرائيل لن تصمت على الوجود الإيراني على حدودها مع سوريا. فهي لا تريد بالتأكيد تكرار تجربة “حزب الله” والشريط الحدودي المأزوم والملغوم في آن معا كما في لبنان. والصدام بين الولايات المتحدة وإيران لن يكون في منطقة الخليج العربي أو على الأرض الإيرانية على الأرجح، بل يتجه طرفاه ضمنا وبشكل غير مباشر إلى اختيار استراتيجية الحرب بالوكالة كي يدجن أحدهما الآخر ويخضعه لشروطه وإملاءاته خلال المرحلة المقبلة.
الصراع الإيراني-الأميركي قد ينتقل إلى الأرض السورية، والحرب ضد الإرهاب قد تنتقل من داعش لتستهدف إيران وميليشياتها الشيعية، والرهان على أن إيران ستتراجع عن الصدام مع الولايات المتحدة مشكوك فيه لأن مسرح العمليات بعيد عن أراضيها، وهي تجيد جيدا استراتيجيات الحرب بالوكالة، فضلا عن أنها استثمرت موارد ضخمة جدا في هذا التوسع العشوائي، الذي تم خلال فترة قصيرة نسبيا من دون حسابات استراتيجية دقيقة لمصير هذا التوسع وفرص بقائه في مواجهة الضغوط وحسابات المصالح الدولية والإقليمية المعقّدة والمتضاربة في أحيان كثيرة.
الأرجح أن إدارة دونالد ترامب تتجه إلى تقليص نفوذ إيران في العراق، وهنا سيكون الصراع حول هذا البلد العربي قويّا ومحتدما، فواشنطن عادت لتنظر باهتمام إلى نفط العراق، وإيران باتت تمتلك يدا قوية سياسيا وديموغرافيا واقتصاديا وأمنيا، لذا فإن الملالي لن يتركوا العراق لقمة سائغة بالسهولة التي يتخيّلها البعض.