في الأزمة السورية، يبقى العرب مختلفون في مواقفهم، فهناك من يقف في خندق نظام بشار الأسد، وهناك من يستنكر ما يفعله هذا النظام بحق شعبه، وهناك من يرفض مجرد وجوده في أي مشهد مستقبلي لسوريا، وهناك من يقبله على مضض لحسابات واعتبارات يراها "موضوعية"أو "مصالحية"، عربية قومية أو محلية، وهناك من يدعم النظام السوري نكاية في آخرين، وهناك من يرى هذا النظام "شر لابد منه"في مرحلة انتقالية حفاظاً على بقاء الدولة السورية رغم قضم الكثير من أراضيها على يد تنظيمات الإرهاب؛ وهكذا يتفاوت العرب في مواقفهم حيال النظام السوري، ولكني لا اعتقد أن انساناً ما يمكن أن يختلف مع تقييم الأمم المتحدة الأخير بشأن ما يحدث في سوريا، والذي ورد على لسان الأمير زيد بن رعد الحسين المفوض السامي لحقوق الانسان لدى الأمم المتحدة، وقال فيه إن "سوريا أصبحت كلها غرفة تعذيب ومكاناً للرعب الوحشي والظلم المطلق"! كلمات قلائل ولكنها تنطق فزعاً وقلقاً مما يحدث في سوريا، هذا البلد العربي العريق صاحب الحضارة الضاربة بجذورها في عمق التاريخ، أتذكرونه؟!
الأمير زيد ناشد الأطراف المتحاربة أن توقف التعذيب والإعداماتوتخلي سبيل المعتقلين أو على الأقل توفر المعلومات الأساسية عنهم من "أسماء المحتجزين وأماكن وجودهم ومكان دفن من توفوا منهم"، وأشار إلى أن الصراع المستمر منذ ست سنوات بدأ عندما اعتقل مسؤولو الأمن في نظام بشار الأسد مجموعة من الأطفال وعذبوهم بعد أن كتبوا شعارات مناهضة للحكومة على جدار مدرسة في مدينة درعا، لافتاً إلى أن النزاع الذي يدخل أواسط مارس الجاري عامه السابع يشكل "الكارثة الأسوأ من صنع البشر التي يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية".
لا اعتقد أن هذه الصرخة الأممية يمكن أن تكون جرس إنذار ينبه العالم، ففصول المأساة السورية تمضي أمام العالم أجمع من دون أن يحرك ساكناً، وبالتالي فلن يحركه تقرير وتحذير، ولن يستيقظ الضمير العالمي لمجرد الإشارة لبعض ما يحدث بحق شعب سوريا، الذي نزح منه داخليا ولجأ خارجياً نحو 12 مليون شخص، وهناك نحو 8ر2 مليون مدني سوري محاصرين في مناطق يصعب الوصول إليها، فضلاً عن نحو ستين ألف شخص قتلوا تحت التعذيب أو بسبب ظروف الاعتقال القاسية في سجون النظام!!
أطفال سوريا هم أيضا في صدارة ضحايا هذه المأساة، فقد ذكرت منظمة "اليونيسيف"في أحدث تقرير لها إن أطفال سوريا كانوا "في أسوأ ظروف ممكنة"في عام 2016، الذي شهد مقتل أكبر عدد من الأطفال بالمقارنة بأي عام آخر منذ بداية الحرب الأهلية، وقالت المنظمة إن 562 طفلا على الأقل قتلوا خلال العام الماضي، من بينهم 255 قتلوا في مدارسهم أو بالقرب منها، بزيادة بلغت 20 في المئة عن عدد الذين قتلوا خلال 2015. وهذا العدد يقتصر على أولئك الذين جرى التحقق رسميا من مقتلهم، وهو ما يعني أن عدد الضحايا قد يكون أعلى بكثير، وقال المدير الإقليمي لليونيسيف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خيرت كابالاري، إن ستة ملايين طفل سوري يعتمدون الآن على المساعدات الإنسانية منذ ست سنوات، ، بما في ذلك 280 ألف شخص يعيشون تحت الحصار.
هذه هي بعض تفاصيل واقع سوريا الكارثي الآن، فهل تنجح القمة العربية التي تعقد في المملكة الأردنية نهاية الشهر الجاري في انقاذ ما يمكن إنقاذه، أو بالأحرى انقاذ ما تبقى من ماء الوجه العربي في هذه الأزمة؟ التوقعات تجاه القمة لا تبشر بالخير في ظل حالة التفتت والانقسام العربية، والتحديات التي تواجهها القمة ضخمة ومستفحلة ويصعب على العرب مواجهتها في حالة عادية فما بالنا والحال لا يخفى على أحد من التشرذم والتقزم والخلافات.
لم أكن أريد أن اتحدث بنبرة إحباط أو لهجة تشاؤمية حيال واقع العرب والأزمة السورية، ولكن الداء استفحل ولابد من مصارحة المريض لعله يفيق ويدرك ما يحيق به من خطر، ويحافظ على ما تبقى له من صحة، حتى لو اقتصر الأمر على أقل القليل!!
لا أريد أن أحمل الأخوة في المملكة الأردنية عبء القمة العربية، لاسيما أنهم قد تحملوا عبء الاستضافة وأنقذوا الموقف بعد اعتذار اليمن الشقيق عن الاستضافة في شهر أكتوبر الماضي نظراً لما يمر به اليمن من ظروف نعرفها جميعا، فضلاً عن أن مضيف القمة لا يتحمل حسابات انعقادها ونجاحها وفشلها لأن الوضع العربي العام لم يعد يوفر أي فرصة للعمل الجماعي الفاعل.
يبدو أن سوريا قد تنتظر كثيراً من أجل إطفاء النار بين ربوعها والافراج عما تبقى من شعبها من غرفة التعذيب الكبيرة، ناهيك عن أن الحلم بعودة ملايين اللاجئين السوريين في الخارج ربما يبدو بعيد المنال، أو على الأقل لا يبدو قريباً للنظر والتوقعات، فقد تحول هذا البلد إلى ساحة صراع بين القوى الكبرى في ظل عدم وجود أي إرادة دولية حقيقة لإنهاء المأساة السورية.
ورغم مأساوية المشهد السوري، فإن الأمل يظل باقياً في أن تسقط جدران غرفة التعذيب السورية، وأن يعود لهذا الشعب العربي العريق أمنه وأمانه، ولدي أمل كبير في أن حب الحياة والعزيمة القوية التي يتمتع بها الشعب السوري قادرة على تحقيق المعجزات في حال توقف هذا الصراع المدمر، وعادت سوريا إلى أبنائها المخلصين.