لم يكف التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية عن تأكيد وتكرار رغبته في وجود حل سياسي يضع حداً للأزمة في اليمن، ولكن للحلول السياسية دائماً سبل وآليات، فالتسوية لا يجب أن تفضي إلى احتفاظ المعتدي بما حصل عليه عبر انقلاب وقع على السلطة الشرعية للبلاد. ومن المنطقي أن يشترط التحالف العربي انسحاب الحوثيين من جميع الأراضي التي سيطروا عليها قبل الحرب لبدء إطلاق عملية سياسية وفق المرجعيات الثلاثة: المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار اليمني وقرارات الأمم المتحدة، وبصورة خاصة القرار رقم 2216، وعدا ذلك سيكون الأمر بمنزلة هدر للوقت والجهد واستخفاف بكل تضحيات الشعب اليمني ودول التحالف من أجل استعادة الأمن والاستقرار في هذا البلد العربي العريق.
دول التحالف واثقة من أن الحل السياسي يظل الحل الأفضل والأنسب لإخراج اليمن من الأزمة التي يمر بها، ولكن هذا الحل لابد وأن يحترم الإرادة الدولية التي طالبت جميعها ـ عبر قرارات مجلس الأمن ـ بخروج الحوثيين من الأراضي التي سيطروا عليها منذ عام 2014.
الإخفاقات تكررت في الماضي في اليمن بسبب مماطلات الحوثي ورغبته في تنفيذ أجندته الإيرانية وفق إملاءات قادته في طهران تارة، وانتهاكاته لأي شروط يتم التوافق حولها تارة أخرى! وهو المصير نفسه الذي يواجه أي اتفاق محتمل في الحديدة ما لم ينصاع الحوثي للغة العقل ويعلي مصالح اليمن وشعبه ويترجم مزاعمه التي يرددها عبر وسائل إعلامه التي تتنفس كذباً ليل نهار.
يدرك الحوثي أن بقائه في الحديدة ليس سوى تلبية لمطالب رعاته في نظام الملالي، الذين يريدون استمرار السيطرة على المفاصل والشرايين الاستراتيجية في اليمن كضمانة للإبقاء على مشروعهم في هذا البلد رغم كل مؤشرات الفشل والاخفاق والاندحار التي لحقت بهذا المشروع التآمري.
يدرك الحوثي أيضاً أن انهاء سيطرته على الحديدة بمنزلة انهاء السيطرة على العاصمة صنعاء وكشف أكاذيبه واوهامه التي روجها لأتباعه طيلة السنوات الثلاث الماضية.
خطط التحالف العربي في الحديدة استهدفت بالأساس حلحلة الازمة ودفع الحوثي إلى الاستجابة للجهود الدولية للتسوية السياسية، بموازاة ذلك كان التخطيط جاهزاً ودقيقاً من أجل تجنيب سكان الحديدة أي معاناة يمكن أن تنجم عن الصراع، وحماية المدنيين والحفاظ على البنية الأساسية للمدينة والميناء كل يمكن استئناف تقديم المساعدات الإنسانية والاغاثية للشعب اليمني الشقيق.
الأزمة في اليمن بشكل عام والحديدة بشكل خاص كاشفة لدور الميلشيات في نشر الفوضى وتغييب الاستقرار، وعاكسة لخطورة اعتماد بعض القوى الإقليمية، مثل إيران، على وكلاء طائفيين يعملون لمصلحتها في دول عربية عدةـ فهؤلاء الوكلاء ينفذون ما يملى عليهم من دون أدنى اهتمام بمصالح واهداف شعوبهم، حيث تشير التقارير الدولية المحايدة إلى الانتهاكات التي ارتكبها الحوثيون في الحديدة، وتحويل المدنيين إلى دروع بشرية وتجنيد الأطفال والاستيلاء على المساعدات والضغط بعنف عبر وسائل غير أدمية والتهديد بالقتل من اجل تجنيد مقاتلين في صفوف الميلشيات!
ستنتهي بإذن الله دول التحالف من ازمة الحديدة وتحرير العاصمة صنعاء وبقية أراضي اليمن الشقيق، ولكن هناك دروس عدة مستفادة للمجتمع الدولي من هذه الأزمة، أولها ضرورة انهاء المغامرات الإيرانية في المنطقة، لأن استمرار المشروع التوسعي الإيراني هو الأساس في كل ما يحدث من حولنا وما تشهده منطقتنا من فوضى واضطرابات، تمثل "عرضاً" لداء أساسي هو التدخلات الإيرانية، التي تحولت إلى مرض عضال يجب استئصاله كي يعود الأمن والاستقرار إلى المنطقة العربية.
لا أحد يطلب من نظام الملالي الإيراني الكثير، ولا أحد يلزم إيران بما هو فوق القانون والمواثيق الدولية، وما استقرت عليه الأدبيات في العلاقات الدولية، بل إن جل المطالب تتمثل في ضرورة التزام إيران بما وقعت عليه من التزامات ومسؤوليات تقرها القوانين والأعراف الدولية، وفي مقدمتها مبدأ حسن الجوار واحترام سيادة الدول الأخرى!
وإذا كان هناك من ينتقد دول التحالف العربي في اليمن، فعليه أن يطلق لخياله العنان للحظة لبناء تصور مفترض حول تحول اليمن إلى ساحة للحرس الثوري الإيراني وميلشياته التي يجلبها من دول شتى على أسس طائفية ومذهبية، وكيف كان يمكن أن يتحول اليمن بأكمله إلى ساحة للصراع الأهلي ومصيدة لتنظيمات الإرهاب التي تضع هذا البلد الشقيق موضع اهتمام منذ عقود وسنوات مضت. علينا أن نقر بأن التحالف قد أنقذ اليمن من مصير إيراني حوثي مظلم، صحيح أن هناك تضحيات كبيرة بذلت تشارك فيها شعب اليمن الشقيق وأبطال التحالف البواسل على حد سواء، ولكن هذه التضحيات تهون من أجل انقاذ اليمن بكل مكوناته التاريخية والثقافية والحضارية من مصير مجهول على يد الحوثي ورعاته في طهران.