ليس هناك أي شواهد جادة على رغبة مليشيات الحوثي في اليمن في تحقيق السلام والأمن في هذا البلد الشقيق؛ فالمليشيات معادية لمنطق الدولة بطبيعتها وهويتها وآليات عملها، وليس من الطبيعي أن يدعم قادة المليشيات أي جهود تُبذل لاستئناف الحياة في الدول؛ فهم يقتاتون على الفوضى والاضطرابات وغياب الدولة، فكيف يمكن أن نقتنع بأن زعماء العصابات والمليشيات وأمراء الحرب يؤمنون بفكرة الدولة، أو يدعمون أي جهد لاستعادة الأمن والاستقرار؟
صحيح أن المحادثات التي بدأت في جنيف يوم الخميس 6 سبتمبر تمثل فرصة مهمة لإطلاق عملية سياسية في اليمن، واستعادة الأمن والاستقرار لشعب عريق، يستحق كل ما يُبذل من جهود في هذا الاتجاه، ولكنَّ الانقلابيين يمتلكون رؤية مغايرة؛ فهم عملاء لأطراف لا علاقة لها بمصالح الشعب اليمني، وتستخدم وكلاءها في تحقيق أهدافها ومصالحها بغض النظر عن معاناة ملايين اليمنيين البسطاء منذ انقلاب الحوثي وجرائمه المستمرة بحق الشعب اليمني.
ممثل الأمم المتحدة مارتن غريفيث سياسي يمتلك خبرة كبيرة في تسوية الصراعات، واستطاع بالفعل مواصلة جولاته المكوكية بين الأطراف رغم ما وضع في طريقه من عراقيل وعقبات من جانب الحوثيين، ووجد دعمًا كبيرًا من دول التحالف التي تؤيد جهود الأمم المتحدة للتوصل إلى تسوية مقبولة لجميع الأطراف، ولكن الصعوبة تكمن في كيفية التوفيق بين رؤية دول وحكومة شرعية من جهة، ورؤية مليشيات انقلابية لا تعترف بمنطق الدولة من ناحية ثانية!
التحالف العربي يرى منذ البداية أن المخرج الوحيد للأزمة هو الحل السياسي المستند إلى القرار الأممي 2216 والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني اليمني. وهذه في مجملها أطر حاكمة لتسوية الأزمة في اليمن، ولكن التعليمات التي تأتي للمليشيات توجِّه برفض كل هذه الأطر من دون أن تطرح بديلاً سياسيًّا منطقيًّا يحقق ويضمن مصالح الشعب اليمني!
ولا شك في أن انتظار انحياز الحوثي وعصابته لمصالح الأغلبية من الشعب اليمني يبدو رهانًا صعبًا؛ فهو يفاوض حين يكون وقت التفاوض مناسبًا لكسب الوقت، ولا يتخذ من التفاوض وسيلة لتحقيق أهداف سياسية جادة، بل مجرد مطية لتحقيق أهداف على الأرض، أو التقاط الأنفاس، أو إعادة الانتشار والتمركز للمليشيات، وغير ذلك من العبث الذي لا يمكن أن يمت بصلة للوطنية اليمنية العريقة.
وسواء نجحت محادثات جنيف في تحقيق اختراق نوعي أم انتهت إلى لا شيء، فإن الحاصل أن العالم يجب أن يعترف بأن الحوثي لن يقبل بتسوية جادة سوى في حالات محددة، منها وصول تعليمات من طهران بأن عليه قبول التسوية، أو وقوعه تحت حصار تام يدفعه إلى القبول بالأمر الواقع. وطالما أن العالم لا يزال يشكك في الروابط التي تجمع الحوثي بملالي إيران فإن الشعب اليمني سيظل يعاني من جراء الانتظار، الذي يدفع ثمنه الملايين من أبناء هذا الشعب العربي الأصيل.
ثمة تساؤلات يجب أن توجَّه لمنتقدي التحالف العربي: هل يعتقد هؤلاء أن صدور قرار بإنهاء العمليات العسكرية في اليمن سيعيد لهذا البلد الشقيق الأمن والاستقرار؟ من يقول بذلك أو يتصور إمكانية حدوثه لم يتابع ما فعلته مليشيات الحوثي قبل انطلاق عملية «عاصفة الحزم» لوقف التوغل الحوثي للانقضاض على مفاصل الدولة اليمنية والسيطرة على مقدراتها لمصلحة تنفيذ مشروع طائفي إيران!
لن يتحقق السلام مجددًا في اليمن سوى بقبول الحوثي للشرعية القائمة على مرجعية أممية خليجية يمنية، تعيد اليمن إلى حاضنته الطبيعية، وتستعيد لهذا الشعب أمنه واستقراره وقراره من عملاء طهران.. فلا أحد يقبل بأن يستمر الشعب اليمني في الخضوع للمليشيات بعد كل ما دفع من معاناة على يد هؤلاء العملاء الانقلابيين! كما لا يُعقل أن تقبل دول التحالف باستمرار سيطرة الحوثي على اليمن بعد كل ما دفعت من أثمانٍ غالية من تضحيات ودماء أبنائها دفاعًا عن الشعب اليمني وغوثًا له، فضلاً عن مليارات الدولارات التي قدمتها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات عن طيب خاطر من أجل رفع المعاناة، وتقديم المساعدات الإنسانية للأشقاء في اليمن.
المخرج الوحيد هو أن يفيق الحوثي من غفوته، ويدرك أن مشروعه الإيراني إلى زوال، وأن جرائمه بحق الشعب اليمني لن يمحوها سوى قبول عاجل بالتسوية السياسية التي تضمن للجميع حقوقهم على أرض اليمن.