تشير تقارير البنك الدولي إلى أن العالم يواجه فجوة في رأس المال البشري، وهذه الفجوة تعني غياب الاستثمار في التعليم وتأهيل الموارد البشرية لدى معظم دول العالم، وحيث يفترض أن تستعد الدول لمواجهة التحديات الناجمة عن التغير التكنولوجي في المستقبل.
أحد أهم هذه التحديات يتمثل في تزايد أعداد السكان مقابل انحسار نسبي في فرص العمل وتزايد معدلات البطالة بسبب التطور التقني وتطبيقات الثورة الصناعية الرابعة، حيث يقف العالم على أبواب ثورة "الروبوت"، واستخداماته المتنامية بوتيرة متسارعة للغاية ستؤدي بمرور الوقت إلى الاستغناء على مئات إن لم يكن آلاف الوظائف!
من هنا فإن مختلف التقارير المتخصصة تشير إلى أن الاستثمار في البشر يمثل الاستثمار الاستراتيجي الأفضل على المدى الطويل، فإحصاءات الأمم المتحدة تشير إلى أن عدد سكان العالم الحالي البالغ 6ر7 مليار نسمة سيصل في عام 2030 إلى نحو 6ر8 مليار نسمة، و8ر9 مليار في عام 2050، و2ر11 مليار في عام 2100، وهذه الزيادة تضاف إلى ارتفاع متوسطات الأعمار نتيجة للتقدم الحاصل في الرعاية الطيبة والخدمات الصحية، ففي عام 2005، بلغ متوسط أعمار الرجال 65 عامًا والنساء 69 عامًا، بينما ازدادت هذه المتوسطات في عام 2015 لتصبح 69 عامًا للرجال، و73 عامًا للنساء، وهذه كلها مؤشرات ضاغطة على الاقتصادات ومخططي وصانعي القرار في دول العالم جميعها.
الإشكالية في منطقتنا العربية ربما تبدو أكثر صعوبة، فالمنطقة التي تعاني انتشار التطرف والإرهاب، تعاني أيضًا أعلى معدلات البطالة في العالم بين الشباب، والتي بلغت نحو 30% في عام 2016، أي ثلاثة أضعاف متوسط بطالة الشباب في العالم! ولا يبدو أن هناك أفقا قريبا لتراجع هذه المتوسطات عربيًا في ظل استمرار الصراعات والنزاعات والأزمات الداخلية التي تعانيها الكثير من الدول العربية، ويكفي أن العرب الذين يمثلون نحو 5% من تعداد سكان العالم، ولكنهم يمثلون نحو 47% من نسبة النازحين في العالم، و58% من إجمالي اللاجئين!
تقارير الأمم المتحدة للأعوام الماضية ترسم صورة قاتمة للشباب العربي، وتتوقع هذه التقارير أن ثلاثة من كل أربعة عرب سيعيشون في مناطق معرضة للنزاعات في عام 2020.
وقد تنبهت دولة الإمارات منذ سنوات طويلة مضت إلى أهمية الاستثمار الموارد البشرية حتى أصبحت تتصدر قائمة الدول العربية استثمارًا في رأس المال البشري واعتبارهم المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي المستدام، كما تشير تقارير البنك الدولي، حيث تؤكد التقارير الدولية أن الطفل المولود في الامارات اليوم هو طفل منتج بنسبة تصل إلى 66% عند بلوغه مع حصوله على تعليم متطور ورعاية صحية شاملة.
وتسهم دولة الإمارات، بحسب تقارير البنك الدولي، ضمن 28 دولة في العالم في مشروع رأس المال البشري للبنك، الذي يعتبر رأس المال البشري محركًا للنمو الشامل للجميع.
استراتيجية الإمارات بشأن الشباب لا تقتصر على توفير فرص التعليم والصحة بل قائمة بالأساس على التمكين، الذي بات يمثل ركيزة من ركائز التنمية الشاملة في الدولة، سواء على صعيد تمكين الشباب أو المرأة.
وإذا كانت الإمارات تلعب دور قاطرة التنمية في منطقة لا يخرج منها للعالم سوى أنباء الصراعات والنزاعات والتطرف والعنف والإرهاب، فضلًا عن دورها الحيوي البالغ في نشر قيم التسامح والاعتدال والوسيطة وقبول الآخر، فإنها تمثل أيضًا بوصلة للشباب العربي، ونموذج لانتشال هذه الشريحة من براثن مستقبل تتآمر عليه الكثير من الأطراف، سواء تنظيمات الإرهاب والتطرف والفكر الظلامي، أو الدول المعادية التي تمتلك مشروعات توسعية تعمل على تحقيقها في منطقتنا بشتى الطرق.