من يريد استشراف مستقبل الشراكة الاستراتيجية المتنامية بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، يجب أن يحلل ويستوعب جيدا رؤية قيادتي البلدين لهذه الشراكة الواعدة. وقد أظهرت الزيارة التي قام بها مؤخرا الأمير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة الشقيقة إلى دولة الإمارات، والحفاوة الأخوية الكبيرة التي أحيطت بالزيارة، إرادة قوية مشتركة على مواصلة تعميق الشراكة من خلال عمل مؤسسي مستمر يرتكز على إدراك واع للتحديات المشتركة، وينطلق من استيعاب لحقائق التاريخ والجغرافيا ووصايا ورؤى الآباء المؤسسين.
أكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة خلال انعقاد الاجتماع الثاني لمجلس التنسيق المشترك أن «تشكيل المجلس التنسيق السعودي ـ الإماراتي بتوجيهات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ وأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز عاهل المملكة العربية السعودية، جاء ترجمة لهذه العلاقات الوطيدة، وهدفا لجعلها أكثر قوة وصلابة وبناء مستقبل مشرق لبلدينا».
وهذا ما أكدته أيضا كلمات الأمير محمد بن سلمان في افتتاح اجتماع مجلس التنسيق المشترك، حيث قال «إن عمق العلاقات انعكس بشكل جلي من خلال انسجام رؤية مجلس التنسيق السعودي ـ الإماراتي مع الاستراتيجيات الوطنية للبلدين، وتكامل رؤية المملكة العربية السعودية 2030 ورؤية الإمارات 2021، اللتين تستهدفان تحقيق الريادة والرخاء الدائمين، بحول الله، لشعبيهما الشقيقين وبناء الأمل وتعزيز التقدم في المنطقة».
وقد كانت إشارة سموه إلى أن عام 2020 هو عام الإنجازات الدولية لهذه الشراكة، حيث ترأس المملكة مجموعة العشرين خلال هذا العام، كما تحتضن الإمارات معرض اكسبو 2020، مما يمثل خير شاهد على المكانة العالمية للبلدين، ويعكس عزما مشتركا وإرادة قوية على بناء نموذج استثنائي قائم على مكامن القوة التي تمتلكها البلدان، وروح العزيمة والريادة التي يحظى بها شعبهما كما قال ولي العهد السعودي.
إن إحدى سمات القوة والرسوخ في الشراكة الاستراتيجية السعودية الإماراتية أنها تعتمد على قوة الابتكار والإبداع والتميز وروح الريادة لدى قيادتي البلدين، وهو أمر انعكس على المبادرات التي ناقشها مجلس التنسيق المشترك، ومنها التأشيرة السياحية المشتركة للمقيمين لدى البلدين، واستراتيجية الأمن الغذائي المشتركة، ومبادرة الأمن السيبراني، والعملة الرقمية المشتركة، ومجلس الشباب السعودي الإماراتي.
الحقيقة أن الشراكة السعودية الإماراتية هي مكسب استراتيجي كبير للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، فالرؤية الواعية لقيادتي البلدين قادرة على الإبحار بسفينة المنطقة إلى بر الأمان، لأن هناك حاجة مشتركة إلى ترسيخ أجواء الأمن ونزع أسباب التوتر والصراعات والأزمات كي يحقق البلدان رؤيتهما التنموية في أجواء من الاستقرار، ومن ثم فإن تطور هذه الشراكة الأخوية يصب في مصلحة أمن منطقة الخليج العربي، كما يعزز فرص استعادة النظام الإقليمي العربي بأكمله عوامل قوته والتخلص من أسباب ضعفه وتراجعه خلال السنوات الأخيرة الفائتة.
إن زيارة ولي العهد السعودي إلى الإمارات قد أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن الشراكة الاستراتيجية بين البلدين وجدت لتبقى، وأنها منظومة مؤسسية كاملة ترسم طريق التعاون المشترك خلال السنوات والعقود المقبلة، وأن هذه الشراكة لن تتأثر بأي عوارض طارئة أو أقاويل وتكهنات ومخططات إعلامية لزرع الفتن بين قيادتين ينظران لمصالح شعبيهما وبلديهما من منظور استراتيجي يستوعب حقائق التاريخ ومجمل التحديات، ويهدف إلى تعزيز الروابط الأخوية القائمة من خلال علاقات أخوية قادرة على استيعاب أي متغيرات، وعمل مؤسسي منظم يضمن التقدم والتطور ويتفادى الجمود.
الأجيال الشابة في السعودية والإمارات هي هدف الحلم الذي تمتلكه قيادتا البلدين، وتعملان على تحقيقه من خلال إرادة قوية وعمل جاد مشترك، ولعل في ذلك أنموذجا ملهما للدول الخليجية والعربية والعالم أجمع، فما تسعى إليه قيادتا البلدين يتضمن استدامة رخاء ورفاهية الشعبين، والوصول إلى مستويات تنافسية عالمية في المستويات التنموية كافة.