بعد أيام قلائل من أحدث براهين ودلائل المخطط التوسعي الإيراني الإقليمي، حيث وجه قائد الحرس الثوري الإيراني، اللواء حسين سلامي، تهديدا مباشرا لأمريكا وبريطانيا والمملكة العربية السعودية بـ«الإبادة»، في حالة تجاوزها «الخطوط الحمراء» في التعامل مع بلاده، ووجه كلامه لهذه الدول قائلا «إنكم جربتمونا في الساحات ولم تتمكنوا من الرد علينا، والجميع سمع صفعاتنا.. ونقول لكم لا تتجاوزوا خطوطنا الحمر، وإذا اجتزتم خطوطنا الحمر سوف نبيدكم». وبعد تصريح قال فيه اللواء حسين مرتضوي أحد
قادة القوات البرية التابعة للحرس الثوري إن أقدام الإيرانيين لم تطأ سواحل البحر الأبيض المتوسط إلا بعهد الملك الفارسي قوروش الكبير وعهد مرشد الثورة علي خامنئي، ظهر الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال استقباله وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي ليقول إنه لا يوجد حل بين دول المنطقة وشعوبها سوى الصداقة والأخوة، ويضيف روحاني «ينبغي ضمان أمن الخليج ومضيق هرمز بالتعاون بين دول المنطقة، ولا ينبغي السماح لدول أجنبية بالتدخل». ودعا الرئيس الإيراني دول المنطقة لترك الماضي خلفها وأن تفكر بالمستقبل وأن تسعى لحل مشاكل المنطقة بالتعاون والحوار، مشيرا إلى أن «سياسات السعودية لم تحقق أي نتائج في سوريا والعراق ولبنان».
حديث الرئيس روحاني يبدو في حقيقة الأمر مجافيا تماما للسلوك الإيراني الإقليمي، فأي تعاون بين دول الجوار يقتضي توفر عوامل ومقومات محددة في مقدمتها التزام الأطراف جميعها باتباع سياسة حسن الجوار واحترام سيادة الدول الأخرى وعدم التدخل في شؤونها، والالتزام بكل ما ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي فيما يتصل بالعلاقات بين الدول بعضها ببعض!
ما يحدث في منطقتنا يعرفه الجميع جيدا، فالآن يتباهى قادة الملالي باستباحة أراضي دول عربية والوصول إلى شواطئ المتوسط، وهو نهج متواصل، فبالأمس سبق لقادة نظام الملالي التباهي باحتلال أربع عواصم عربية، ويتدخلون علنا في شؤون دول عربية وخليجية عدة، مما يؤكد أن الملالي ليسوا في موقع نصح الآخرين بضرورة التعاون من أجل ضمان الأمن والاستقرار الإقليمي، بل عليهم أن يبدؤوا أولا بأنفسهم ويعيدوا مراجعة الذات وإثبات حسن النوايا والسعي الجاد لبناء الثقة من خلال انتهاج أسلوب مغاير لما هو سائد من الجانب الإيراني في المرحلة الراهنة.
كيف يمكن أن يهدد قائد الحرس الثوري الإيراني دولة من دول الجوار بما أسماه بالإبادة ثم يتحدث رئيسه عن ضرورة التعاون و«ترك الماضي والتفكير بالمستقبل»! ثم أليس من الغريب أن يتحدث الرئيس روحاني عن نتائج السياسات السعودية في سوريا والعراق ولبنان رغم أن القاصي والداني يعرف تماما ضد من رفعت شعارات الغضب الشعبي في شوارع مدن العراق ولبنان، ومن يتدخل بشكل عسكري فج ولا يفكر في الخروج من سوريا!
يريد الرئيس روحاني من المسؤولين السعوديين «تغيير سياساتهم في المنطقة» ويقول إنه «لا مشكلة لدينا في إعادة النظر في علاقاتنا مع السعودية وتنمية العلاقة مع جميع دول الجوار»، وهذا المنطق في التعاطي مع دول الجوار هو أساس التوتر المزمن في العلاقات مع نظام الملالي الذي لا يريد الاعتراف بأن ما تعانيه منطقتنا هو حصاد سياساته الاستعلائية ورغبته المستمرة في الهيمنة والوصاية على دول الخليج العربية، ساعيا إلى فرض رؤيته وفهمه الذاتي الضيق لمبدأ الصداقة والأخوة، الذي يعني به أن تمنح دول المنطقة زمام القيادة للملالي وألا تبحث أبدا عن استقلالية قرارها وسيادتها الوطنية ومصالح شعوبها.
والحقيقة أن لدى نظام الملالي ملفات حيوية يمكن من خلالها إثبات حسن النوايا والجدية في بناء الثقة وترميم العلاقات مع دول مجلس التعاون، وفي مقدمة ذلك تأتي قضية الجزر الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى) التي تحتلها إيران منذ تأسيس دول الإمارات، والتي اقترب احتلالها من إتمام النصف قرن، إذ يمكن للقادة الإيرانيين الاستجابة لدعوات دولة الإمارات المتكررة بالتفاوض المباشر أو إحالة القضية إلى التحكيم الدولي، علما أن هذه القضية هي إحدى القضايا المركزية الحيوية في ملف الخلاف والتوترات الإيرانية ـ العربية بشكل عام، والخليجية والإماراتية بشكل خاص.
والمؤكد أيضا أن الأمن والاستقرار الحقيقي في الخليج العربي لن يتحقق بالحديث المنمق والشعارات البراقة واستمرار لعبة توزيع الأدوار بين القادة السياسيين والعسكريين في النظام الإيراني، بل يبدأ فعليا من التزام إيران بميثاق الأمم المتحدة ومبادئها، ولا سيما ما يتعلق باحترام سيادة دول الجوار وعدم التدخل في شؤونها والابتعاد عن التسلط والهيمنة والنزعة الاستعلائية، ومن دون مثل هذه الالتزامات والقناعات التي يجب أن تسود منطقتنا، فإن من الصعب الحديث عن علاقات طبيعية حقيقية بين إيران وجوارها الإقليمي، علما أن نظام الملالي هو الرابح الأكبر من أي جهد جاد يستهدف ترسيخ الأمن والاستقرار ونزع فتيل التوترات بين ضفتي الخليج العربي.
يجب أن ينزع الملالي عباءة الهيمنة الإقليمية التي يحلمون بها، وأن يقرؤوا جيدا معطيات الحاضر ومكوناته، إذا كان لديهم رغبة حقيقية جادة في التعايش مع الدول والشعوب الخليجية والعربية المجاورة.