رغم كل المصائب والأزمات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي تحاصر لبنان منذ فترة طويلة، فإن هناك أطرافًا تريد التعجيل بتحقيق سيناريوهات أكثر سوءًا للدولة والشعب اللبناني من خلال مواصلة ارتكاب الجرائم بحق لبنان، وآخرها اغتيال الناشط والصحفي اللبناني لقمان سليم، الذي عثر عليه مقتولًا داخل سيارته بإحدى مناطق الجنوب، في جريمة اعتبرها الكثيرون بمنزلة عودة لمسلسل الاغتيالات التي عاناها لبنان طويلًا؛ فالقتل والاغتيالات السياسية في لبنان تاريخها معروف للجميع، ومعظمها جرائم قيدت ضد مجهول، حيث استمرت آلة القتل الباطشة طيلة سنوات من دون حساب، أو كشف عن متورطين، ما شجع الكثير من الأطراف على مواصلة دورها التخريبي من دون أي قلق او خوف من لحظة الحساب!
لذا يأمل الكثيرون أن تتوصل الجهات المعنية في لبنان إلى الحقيقة في هذه الجريمة بشكل سريع، لتتفادى آفة التحقيقات المعتادة في هذا البلد العربي، الذي لا يزال ينتظر بزوغ شمس حقيقة الانفجار المروع الذي شهده مرفأ بيروت رغم مرور أكثر من ستة أشهر، لا يزال الفاعل خلالها هاربًا من العدالة ولا حسم ولا محاسبة في تلك الجريمة التي هزت لبنان والعالم أجمع!
الحقيقة أن لبنان يعاني آفات عميقة، سياسية ومجتمعية واقتصادية وإدارية، ناهيك عن الانقسامات المذهبية والطائفية والتدخلات الخارجية، والأجواء لا تحتمل أي شطط أو جرائم ذات طابع سياسي واضح، وهذه الجريمة تنطوي على مؤشر خطر مهم ينذر بأن مستقبل لبنان يتدهور بشكل متسارع نحو الفوضى والمزيد من تردي الأوضاع، ما لم تتوقف المهاترات والصراعات السياسية العبثية ويتجه الجميع إلى إعلاء مصالح لبنان واللبنانيين، وإلا فإن مصير الدول الفاشلة التي نراها في حالات عدة من منطقتنا ينتظر هذا البلد العربي، الذي كان يومًا ما منارة اشعاع ثقافي وحضاري نأمل أن تعود في القريب كي تستأنف دورها وتأثيرها في وقت تبدو هذه المنطقة فيه أحوج ما تكون إلى دور هذا البلد وغيره من منارات الاشعاع والتنوير.
لبنان يحتاج إلى جهود ضخمة ووصفة علاجية شاملة، في ظل تدهور قياسي لقيمة العملة الوطنية، وانتشار البطالة وارتفاع معدلات الفقر وتفشي الفساد والمحسوبية وسوء الإدارة وغياب الثقة في النخبة السياسية الحاكمة، والأخطر من ذلك كله التشاؤم العميق الذي يطغى على نظرة غالبية اللبنانيين تجاه امكانية خروج بلادهم من أزمات مزمنة مثل ارتفاع التضخم وفشل النظام الصحي وانقطاع الكهرباء والوقود وانهيار الليرة وضياع أموال المودعين وغير ذلك.
ولعل أكثر ما يؤلم في جريمة مقتل لقمان سليم هو الخوف من غياب الحقيقة رغم أن الجميع على الساحة اللبنانية يشيرون بأصابع الاتهام إلى قاتل معلوم، وهو "حزب الله" الموالي لإيران، الذي قضى سليم سنوات طويلة في معارضة سياساته ومواقفه ونفوذه داخل البلاد، حيث كان يعد من أشرس معارضي هذه الميليشيا، التي كانت تتهمه بأنه شيعي موال للولايات المتحدة، رغم أنه كان يشخص بدقة مشكلة لبنان الحقيقية التي تكمن في هيمنة "حزب الله" الأمنية والسياسية، وأن خروج لبنان من محنته كلها مرهون بالحد من دور هذا الحزب وميليشياته في الحياة اللبنانية، كما سبق أن اتهم سليم الحزب بشكل مباشر بالتسبب في انفجار مرفأ بيروت، مشيرًا إلى أن الحزب هو من قام بتخزين "نترات الأمونيوم" التي تسببت في الانفجار بالمرفأ، وهذا كله يؤسس لعلاقة وثيقة للحزب الذي عرف بتصفية خصومه من دون مواربة أو خشية من محاسبة، ويشير بشكل واضح لإصبع الاتهام للمتورطين لاسيما أن الجريمة وقعت في منطقة نفوذ الحزب ومسؤوليته الأمنية فيها ثابتة ومؤكدة.
يحتاج لبنان إلى ترجمة فعلية لحالة التضامن العربي والدولي التي بلغت ذروتها عقب انفجار مرفأ بيروت ثم ما لبثت أن خفت حدتها بمرور الوقت رغم أن أوضاع لبنان وظروفه لم تتغير، ولم يزل يراوح مكانه من دون حكومة تدير شؤون البلاد، ولم يزل الاخفاق والفشل يلاحق ساسته ونخبته، والمعاناة تخيم على شعبه، ونعلم جميعًا أن النظام الجماعي العربي لا يستطيع فعل أي شىء تجاه لبنان او غيره، ولكن المأمول أن تتحرك القوى العربية الفاعلة من أجل دعم الجهود الدولية الهادفة لانقاذ لبنان من مصير مجهول وقعت فيه دول عربية أخرى؛ ونعلم أن مهمة انقاذ لبنان تبدو صعبة في ظل سيطرة ميليشيا "حزب الله" الطائفية الموالية لإيران وترسانة الأسلحة الهائلة التي تمتلكها، فضلًا عن هيمنتها على الكثير من أجهزة الدولة اللبنانية، ولكن تضافر الجهود الاقليمية والدولية وتقليم أظافر نظام الملالي الايراني، سيسهم من دون شك في معالجة أزمات الكثير من البلدان العربية، وفي مقدمتها لبنان وسوريا والعراق واليمن.