خمسون عاماً مضت من عمر اتحادنا المبارك تحولت خلالها رمال الصحراء إلى مدن تضاهي أرقى مدن العالم وأكثرها تحضراً وتقدماً، ونجحت الامارات خلالها في امتلاك أجيال قادرة على التخطيط والعمل والابداع والانتاج، لتترجم فكر القائد المؤسس المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي كان يؤكد أن "الثروة الحقيقية ليست في الإمكانات المادية وحدها، وإنما الثروة الحقيقية للأمة تكمن في أفراد شعبها الذين يصنعون مستقبل أمتهم".
انجازات نوعية ضخمة تحققت طيلة العقود الخمس الماضية في مختلف مجالات التنمية والعمل والانتاج، والثقافة والفنون والعلوم والتكنولوجيا والفضاء، ليشهد اليوم الوطني للدولة انطلاقة جديدة لخمسينية قادمة تمضي الامارات خلالها وفق تخطيط دقيق محكم تجسده وثيقة مبادىء الخمسين، التي ترسم طريق المستقبل بكل دقة ووضوح.
تحولت الامارات اقليمياً ودولياً إلى حلم وطموح وقدوة ونموذج يحتذى وأصبحت أيقونة للمستقبل ورمزاً له، حتى جاء إعلان منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "يونسكو" مؤخراً بشأن اعتماد اليوم الوطني للامارات يوماً عالمياً للمستقبل، لتتوج الامارات رسمياً كرائد عالمي في مجال استشراف المستقبل. إن اختيار المنظمة لهذا اليوم يعكس قناعة المجتمع الدولي بكافة مشاربه بأن الامارات تمثل قاطرة للمستقبل بكل ما يحمل من طموحات وتطلعات، وبكل ما تجسده من الهام ومحفزات للأجيال الجديدة والبشرية جمعاء، فالامارات تمثل في هذه الحالة عاملاً محفزاً للدول والشعوب للتوجه نحو المستقبل وفق رؤية ملهمة يجسدها حلم زايد وأرض التعايش والتسامح.
الامارات لا تمثل طموحاً مستقبلياً تقليدياً، بل واقع ينطلق من تحديات مضت وانجازات قائمة، وأحلام مستقبلية ترتكز على تخطيط علمي وآفاق واعدة من الابتكار والابداع وموروث نوعي ضخم من الانجازات التي تفوق الخيال، وتتجاوز التوقعات، لذا فإن اختيارها لتكون رائداً يقود قاطرة المستقبل عالمياً هو اختيار يصب في مصلحة العالم، الذي يحتاج إلى نماذج ملهمة تغذي الآمال وتزود الجميع بالطاقة والإرادة اللازمة لعبور التحديات وتجاوز العقبات.
أمثلة ودلائل عديدة على أن الامارات تصنع المستقبل على أرضها، وقادرة على تبادل خبراتها ونقلها إلى دول العالم التي تحتاج إليها، فابتداء من تجربة البناء ومرحلة التأسيس بكل ماتنطوي عليه من تحديات تنموية صعبة، وصولاً إلى استكشاف المريخ واستضافة "اكسبو 2020" والتحول إلى نموذج للقوة الناعمة لدولة حديثة، يتجلى الالهام الاماراتي لأي دولة تبحث عن استشراف المستقبل وامتلاك أدواته. فالامارات التي انطلقت منذ البدايات على أساس مقولة قائدها المؤسس، طيب الله ثراه، "نحن نبني المستقبل على أساس علمي"، وتمضي وفق رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، التي قال فيها "ما يعزز ثقتنا بالمستقبل هو انطلاقنا من أرضية صلبة بنيناها عبر أعوام طويلة من العمل والتخطيط جعلتنا نمتلك كل مقومات النهضة والريادة"، تمتلك موروثاً ضخماً يمكن للدول الناهضة كافة الاسترشاد به والاستفادة منه، والامارات لا تتردد في تقديم العون والمساعدة ونقل الخبرات لجميع دول العالم وشعوبه من دون استثناء.
المستقبل ليس مفهوماً يتردد في الخطاب الاستراتيجي الاماراتي فقط بل تجسده الخطط الاستراتيجية والتنفيذية على مستوى الدولة، فالامارات تمضي منذ سنوات طويلة وفق تخطيط مستقبلي دقيق، ابتداء من خطط التحول الالكتروني والاستراتيجية الوطنية للحكومة الرقمية لدولة الامارات 2025، في ترجمة واضحة لرؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، التي قال فيها "المستقبل سيكون لمن يستطيع تخيله وتصميمه وتنفيذه." والمستقبل في الامارات يشمل مبادرة "مجلس محمد بن زايد لأجيال المستقبل"، والمبدأ السابع من وثيقة مبادىء الخمسين الذي ينص على أن "التفوق الرقمي والتقني والعلمي لدولة الإمارات سيرسم حدودها التنموية والاقتصادية، وترسيخها كعاصمة للمواهب والشركات والاستثمارات في هذه المجالات سيجعلها العاصمة القادمة للمستقبل". فالامارات إذاً تمتلك استراتيجيات للمستقبل في مختلف المجالات، التعليم والفضاء والاقتصاد والعلوم المتقدمة والطاقة والصحة والاقتصاد والبيئة والأمن الغذائي والمائي والذكاء الاصطناعي وغير ذلك، فضلاً عن منظومات متكاملة واستراتيجيات متخصصة لاستشراف المستقبل، وتهدف إلى الرصد المبكر للفرص والتحديات في مختلف القطاعات الحيوية في الدولة، وبناء نماذج مستقبلية في مختلف المجالات، وتعزيز الإمكانات على المستوى الوطني في تخصصات استشراف المستقبل، وعقد الشراكات التخصصية على مستوى العالم في هذا المجال.
الامارات التي تحرص على مشاركة المعرفة هي وطن المستقبل وقاطرة التقدم العالمي، فالدولة التي تستهدف الوصول إلى الرقم (1) عالمياً هي خير بوصلة لقيادة جهود العالم وتطلعاته نحو المستقبل، والمستقبل لا يُنتظر بل يمكن تصميمه وبناؤه اليوم كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وليس هناك أفضل من الامارات نموذجاً ملهماً لتصميم المستقبل والبدء في بنائه.