هل يصدق حسن روحاني أن هناك أحدا في العالم يصدق أن الجنرال التلفزيوني قاسم سليماني يمكن أن يتحرك من أجل مكافحة الإرهاب.
يقول الرئيس الإيراني حسن روحاني في خطاب له مؤخرا إن الجيش الايراني هو “القوة الرئيسية لمكافحة الإرهاب في المنطقة التي عليها ألا تعتمد على القوى الكبرى”، وربما كنت أصدّق شخصيا هذا الكلام لو أن الرئيس روحاني لم يستشهد على صدق هذا الكلام بما فعله الجيش الإيراني في العراق وسوريا، حيث استطرد بعد ذلك قائلا “في العراق وفي سوريا وبطلب من حكومتيهما ساعدنا جيشيهما على مكافحة الإرهاب”. ولا يتوقف روحاني عند هذا الحد بل يمضي قائلا “إذا كان الإرهابيون يتمددون في دول أخرى في المنطقة، لا يمكن أن يكون الأمل الوحيد سوى الجيش وحرس الثورة وقوات الباسيج الإيرانية”.
لا أريد أن أنزلق إلى دائرة التكرار لو قمت بتذكير الرئيس الإيراني حسن روحاني والساسة الإيرانيين بما فعله الحرس الثوري في العراق وسوريا، فما حدث لا تزال وقائعه جارية ولم تمح من الذاكرة بعد، وبالتالي فخلط الأوراق من جانب طهران والحديث عن مكافحة الإرهاب في العراق وسوريا ليس سوى حق يراد به باطل بل هو نوع من خداع عقول البسطاء وتزييف الحقائق الدامغة.
الحقيقة الأولى في تفكيك هذه المزاعم أن الوجود الإيراني في العراق سابق بمراحل زمنية لوجود تنظيمات الإرهاب، بل إن التدخلات الإيرانية في الشأن العراقي قد تحقّقت منذ الغزو الأميركي في مارس عام 2003، حيث تحوّلت الأراضي العراقية إلى ساحة لتصفية الحسابات من جانب الحرس الثوري الإيراني الذي اندفع بكل قوته نحو أراضي العراق ولعب دورا بارزا في التأسيس للطائفية والمذهبية وتقسيم الشعب العراقي وفقا لذلك، بل إن هذه الوجود الإيراني كان أحد الذرائع التي استند إليها الإرهابيون الذين قادوا خطط سفك الدماء والقتل والذبح في هذا البلد ابتداء من أبي مصعب الزرقاوي وانتهاء بالمدعو أبي بكر البغدادي، أمير تنظيم داعش الإرهابي.
الحقيقة الثانية التي يعرفها الجميع ولا تزال شواهدها تجري عبر الفضاء الإلكتروني أن القادة الإيرانيين قد تباهوا أمام العالم أجمع بأنهم يسيطرون على أربع عواصم عربية، هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، ما يعني أن المسألة في وجهها الحقيقي ليست سوى محاولة استعمار فارسية بغيضة لمراكز حضارية عربية بدعوى مكافحة الإرهاب.
الحقيقة الثالثة أن الوجود الإيراني في اليمن الشقيق لم يكن بدافع مواجهة الإرهاب ولا التصدي لخطر “القاعدة” بل لم تطلق رصاصة من وكلاء إيران الحوثيين على تنظيم “القاعدة” طيلة الصراعات الدموية الأخيرة، التي انقضّ فيها الحوثي على الشرعية الدستورية وسيطر على صنعاء وكاد يلتهم الدولة اليمنية بأكملها لولا أن تصدى له تحالف دعم الشرعية الدستورية في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية.
ولعل المثال اليمني تحديدا يؤكد أن فكرة التدخلات الإيرانية في الدول العربية لا تستهدف القضاء على الإرهاب الذي يمثل داء خبيثا ينخر في الجسد اليمني منذ سنوات طويلة مضت، ولكنه يستهدف بالأساس السيطرة والاحتلال وتطويق الدول العربية السنية عبر محطات نفوذ مركزية تابعة أو موالية لإيران في اليمن ولبنان وسوريا والعراق.
الحقيقة الرابعة تتمثل في حملات التطهير العرقي التي شنّها بضراوة ما يعرف بالحشد الشيعي المدعوم عسكريا من جانب الحرس الثوري الإيراني، ضد المسلمين السنّة من العراقيين العزّل في مناطق مختلفة من البلاد خلال الصراع مع تنظيم داعش، وهناك تقارير موثّقة تثبت هذه الأفعال منها ما ورد في أحد تقارير منظمة العفو الدولية، التي اتهمت الحكومة العراقية وميليشيات الحشد الشيعي في منتصف يونيو الماضي بارتكاب مجازر عرقية ضد العرب السنة في محافظة ديالي، حيث قالت كبيرة مستشاري المنظمة لشؤون الأزمات دوناتيلا روفيرا إن “الجرائم البشعة التي اقترفها تنظيم الدولة الإسلامية قوبلت بهجمات طائفية متنامية من قبل الميليشيات الشيعية التي تنتقم من التنظيم على جرائمه باستهداف العرب السنة”، كما اتهمت المنظمة عناصر شيعية بارتكاب جرائم حرق وسلب ونهب وتطهير عرقي كاملة في شمال العراق، وهذه الجرائم العرقية يصعب إنكار مسؤولية قادة الحرس الثوري الإيراني عنها، حيث ارتكبت في ظل وجود موثق ومتداول لصور الجنرال قاسم سليماني أثناء تجوله في مناطق الصراع العسكري ضد تنظيم داعش بالعراق.
الحقيقة الخامسة تتعلق بتاريخ وملفات قادة الحرس الثوري وقوات الباسيج الإيرانية التي تمتلك تاريخا موثقا ومعروفا من التعاون مع جماعات الإرهاب الدولي وتنظيماته في العالم أجمع بما في ذلك أميركا اللاتينية وأوروبا، وليس في الدول العربية فقط، ومن يريد التعرف على تاريخ العلاقات التي تربط الحرس الثوري الإيراني بالتفجيرات وأعمال العنف وتنظيمات الإرهاب وعصابات المافيا فهناك الكثير مما يصعب حصره حول الموضوع، بل ليست هناك منظمة إرهابية في العالم لم تكن لها علاقات تعاون أو اتصالات بقادة الحرس الثوري الإيراني، الأمر الذي ينسف تماما فكرة التسليم بكون الحرس الثوري الايراني والباسيج أدوات مناسبة لمكافحة الإرهاب والرغبة في العمل على تثبيت دعائم الأمن والاستقرار بالمنطقة.
الحقيقة السادسة ولن تكون الأخيرة أن إيران تمتلك مشروعا توسعيا تفكيكيا يستهدف إعادة هندسة خارطة المنطقة وفقا لمصالحها وتحالفاتها وأهدافها الاستراتيجية، وتقوم آليات تنفيذ هذا المشروع التوسعي البغيض على تفكيك دول عربية عدة وتفجيرها من الداخل باستخدام ورقة الطائفية والمذهبية وأدوات إيران التي تجيد التعامل مع وكلاء الداخل من عملاء الحرس الثوري مثل حزب الله اللبناني وجماعة الحوثي وبعض الجماعات الشيعية في العراق وغيرهم.
إذا كانت إيران جادة في مكافحة الإرهاب، فإن عليها أولا أن تكون جارا طيبا وأن تثبت أنها دولة مسؤولة وتعمل ضمن نطاقات الشرعية الدولية المتعارف عليها، وتحرص على الالتزام بضوابط الأمن والاستقرار الإقليمي والتخلي عن منطق فرض السيطرة وبسط النفوذ أو بالأحرى البلطجة الإقليمية التي تمارسها في السنوات الأخيرة، وتحديدا منذ اندلاع ما يعرف إعلاميا بالربيع العربي.
فمكافحة الإرهاب لن تتحقق عبر الزج بعناصر الحرس الثوري والسعي لتجنيد الخونة من الوكلاء والعملاء في العواصم العربية، بل يتحقق فقط عبر إثبات حسن النوايا والتزام حسن الجوار والتعاون الحقيقي وفق الأطر التي ترفضها قواعد القانون الدولي والشرعية الدولية في مكافحة الإرهاب، وفي مقدمة ذلك يأتي التمسك بعدم إثارة الضغائن والنعرات الطائفية والمذهبية بين الشعوب والأقليات.
ترى هل يصدّق حسن روحاني أن هناك أحدا في العالم يصدّق أن الجنرال التلفزيوني قاسم سليماني يمكن أن يتحرك من أجل مكافحة الإرهاب؟
وهل يصدّق روحاني أن قوات الباسيج التي تجر من ورائها موروثا ثقيلا من الكوارث المذهبية والطائفية يمكن أن تكون قوة سلام واستقرار وتلاحق الإرهاب والإرهابيين؟
إثبات حسن النوايا وإجراءات بناء الثقة هي المفاتيح الحقيقة التي تتهرب طهران من استخدامها دوما في علاقاتها مع جوارها القريب والبعيد على حد سواء.