يدرك ملالي إيران قبل غيرهم أن الشعب الايراني في غالبيته يريد عودة العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، فشعارات الثورة وأيديولوجيتها السياسية لم تغادر فم الشعب الإيراني رغم مضي نحو أربعة عقود على محاولات دفعه إلى ابتلاعها قسراً!! ومع ذلك يخشى هؤلاء الملالي من كشف كذبهم وخداعهم حين يصافحون "الشيطان الأكبر" ويتحالفون معه ويحاولون تمرير صور هذه المصافحات تدريجياً إلى الشعب الايراني، وهنا قد يقول قائل: إذا كان الشعب الايراني يريد التقارب مع الولايات المتحدة فماذا يقلق الملالي من نشر صور مصافحة وزير خارجيتهم جواد ظريف مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما في نيويورك؟
هنا أقول له أن ما يقلق هؤلاء الملالي ليس الصور بحد ذاتها، فالإيرانيون فرحون بشكل حقيقي بالانفتاح على الولايات المتحدة، ولكن يقلق الملالي في هذا الموضوع أمرين مهمين، أولهما انكشاف خداع الملالي وزيف شعارتهم التي طالما رددوها وعاشوا واقتاتوا عليها طيلة عقود وسنوات مضت، واقصد هنا شعارات العداء والموت لأمريكا التي لصقوا بها صفة "الشيطان الأكبر" الذي يعانقونه الآن عندما التقت مصالحهم مع مصالح واشنطن. الأمر الثاني أن النظام الايراني الذي وافق على توقيع الاتفاق النووي يدرك أن الانفتاح على العالم ثقافيا وحضارياً ربما يكون بداية النهاية لنظامهم الهش الذي يحمل في احشائه عوامل فنائه وسقوطه وانهياره، فهو نظام لا يصلح فعلياً للتعايش مع الأنظمة السياسية الحديثة السائدة في العالم، ويقم على البطش والقهر والتعذيب والتنكيل وسفك الدماء.
هناك تفسير له وجاهته السياسية يقول أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما يسعى إلى تفكيك البنية الفكرية المتعفنة للنظام الأيديولوجي الإيراني من خلال استدراج هذا النظام إلى الانفتاح والتعامل مع العالم بحيث يتحلل تدريجيا وبمرور الوقت، أو بمعنى آخر اختراق أسس هذا النظام وتفكيكها عبر الغزو الثقافي الجارف للقيم الغربية والأمريكية تحديداً، وهي تجربة فعالة سبق اثبات نجاحها في تفكيك الاتحاد السوفيتي السابق ودفع الصين إلى الانفتاح تدريجيا والقبول بالتعايش مع القيم الغربية والتحلل من بعض القيم الشيوعية، لاسيما في المجال الاقتصادي والتجاري.
الجديد في الحالة الإيرانية أن ملالي قم يدركون هذا الخطر القادم، ولا يكفون من التحذير من خطر الغزو الثقافي، ولكنه مع ذلك قبلوا بالتقارب مع الولايات المتحدة من منطلق التحكم في "صنبور" التقارب، أو بمعنى آخر حصر التقارب مع الولايات المتحدة والحوار معها على الملف النووي، وهذا أمر مستبعد وليس واقعياً، فالقادم أقوى من انهيار الجبال الثلجية وسيجرف أمامه شعارات متهافتة لملالي قم حول شيطنة أمريكا وغير ذلك من شعارات كانوا هم أول من يسقط في مواجهتها!!
ربما استطاع الملالي خداع الشعب الإيراني طيلة العقود والسنوات الماضية، ولكن الإشكالية تبقى في ما هو قادم، فهناك فجوة ثقافية هائلة تفصل بين ملايين الشباب الإيراني من جيل ثورة المعلومات وأفكار الملالي الذين يتمترسون وراء أفكارهم البالية، وحول هذه الجزئية تحديداً يتمركز الرهان الأمريكي التاريخي، ووفقا للحراك التاريخي وموروث التجارب السابقة، فإن النظام الإيراني الآيل للسقوط بطبيعته وتكوينه المتخلف لن يصمد طويلاً في مواجهة طوفان التغيير القادم من الغرب، وستجد طهران نفسها في مواجهة ريح ثقافية عاتية ستجبرها على الاستسلام للتغيير إن آجلا أو عاجلاَ، ولن يستطيع هذا النظام مواصلة خداع الشعب الايراني بشعارت زائفة وأكاذيب بالية.
الإشكالية ان النظام الايراني الثيوقراطي لا يحاول التفكير في معالجة أزمته بل يكتفي بإدارة تلك الأزمة وتدويرها من خلال مواصلة الكذب وتزييف الواقع، فهاهو خطيب جمعة طهران آية الله محمد علي كرماني يقول للمصلين أن "مصافحتنا ليد الرئيس الأمريكي باراك أوباما الملطخة بالدماء لا تعني أن علاقتنا جيدة مع أمريكا"، فعلى من يحاول أن يضحك هذا الخطيب؟ وإذا كانت يد الرئيس الأمريكي ملطخة بالدماء كما يقول كرماني فمن أجبر ملالي إيران على مصافحتها؟ السياسة عرفت بأنها "فن الممكن" ولكنها بالتأكيد ليست في مطلقها فن الكذب، لاسيما في زمن "ويكليكس" الذي لا يستطيع فيه فرد أو دولة العمل في الخفاء لفترات طويلة، ولكن يبدو أن النظام الإيراني يعرف أنه يكذب ويعرف أيضا أنه لا أحد يصدق أكاذيبه ولكنه يكذب ويكذب لعل أحد يصدقه، فليس أمامه من بديل لهذه الأكاذيب سوى الاعتراف بزيف شعاراته والاعتراف بحقيقة مشروعه السياسي القومي الفارسي، الذي اختفي لعقود وسنوات وراء شعارات دينية باهتة!!!
خطيب جمعة طهران آية الله محمد علي موحدي كرماني: مصافحتنا ليد الرئيس الأميركي الملطخة بالدماء باراك أوباما لا تعني أن علاقاتنا جيدة مع اميركا.......... قول وغيّر يا شيخنا هداك الله !!؟