لم يخرج علي يونسي مستشار الرئيس الايراني لشؤون القوميات والأقليات الدينية في تصريحات أدلى بها مؤخراً عن نهجه المثير للجدل والفتن على حد سواء حين قال "عندما قتل الإيرانيون شقيق المأمون (الأمين) سحبوا السلطة من العرب إلى الأبد"، فقد أعاد بتصريحاته هذه الزمن إلى الوراء، وفتح جروحا لم تندمل في نظر الكثيرين، وسلط الضوء على الكراهية التاريخية الفارسية العنصرية للعرب. والغريب في هذا الأمر أنه يكيد للعرب في احتفال بمناسبة وفاة الإمام الثامن في المذهب الشيعي الاثني عشري، علي بن موسى الرضا، ذو الأصل العربي فهو من نسل الحسين والحفيد الثامن لامام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، الذي يعترف يونسي نفسه بأن لولاه "لما بقي اسم لإيران ولا الإسلام"!
من المعروف عن علي يونسي تحديداً أنه شخصية عنصرية بامتياز فهو من أثار موجة جدل كبيرة في مارس الماضي بقوله أن "إيران أصبحت إمبراطورية كما كانت سابقا وعاصمتها بغداد، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما كانت عبر التاريخ". وقد تسببت تلك التصريحات في ردة فعل عراقية غاضبة، حيث احتجت الحكومة العراقية وأعلنت طهران اعتذارها عن هذه التصريحات، ولكن يبدو أن يونسي يبحث عن أي فرصة أو مدخل للتذكير بعدائه القومي الفارسي للعرب. كما أن يونسي وهو وزير أمن واستخبارات سابق يتصرف وفق هواه ولا يحسب حساباً لحساسية منصبه، فقد سبق أن أبدى انزعاجاً بسبب رفع شعار الخليج العربي في محافظة آذربيجان الإيرانية خلال المباريات التي تجمع فرقهم بفرق تأتي من محافظات فارسية ونعتهم بالمغفلين والعملاء واصفاً رفع هذا الشعار بـ "الإجراء القذر والخطير" على حد تعبيره، مضيفاً "هؤلاء ليسوا إيرانيين ولا آذريين لذا ينبغي علينا أن نضع حداً لمثل هذه التصرفات"، ولم يتوان يونسي لحظة عن نزع الجنسية الايرانية عن هؤلاء لاعترافهم بالهوية العربية للخليج.
يقول يونسي أن العرب يشعرون بـ "الدونية" تجاه الفرس والأتراك، وهذه خطيئة سياسية وحقوقية أخرى تستحق وقفة رسمية من العواصم العربية ومؤسسات العمل الجماعي العربي المشترك. فيونسي ليس محللاً فضائياً أو خطيباً عشوائياً كي يترك ليتفوه بما شاء من الكلام ويطلق ما يحلو له من مزاعم وتخرصات، بل هو مستشار للرئيس الايراني، أي في منصب سياسي رفيع المستوى، وتصريحاته هذه ينبغي أن تؤخذ عليه كونها تنطوي على تحقير وسباب صريح للعرب جميعاً، وليت من ينادون ليل نهار بضرورة التعاون مع إيران ومن يطالبون بالتحالف معها يطالعون كيف ينظر إلينا ـ كعرب ـ قادة هذا البلد، وكيف يعتقدون أن لدينا شعور بـ "الدونية" تجاه الفرس والأتراك! وليت من رحبوا بالثورة الايرانية أيضاً منذ عقود مضت يسمعون هذه التخرصات ليدركوا أنه لا فرق بين الملالي ونظام الشاه، الذي اعتقد البعض أنه زواله يعني زوال النبرة الفارسية الاستعلائية عن إيران، فإذا بها ترتدي قناعاً أكثر قبحاً وعدوانية وشراسة عن نظام الشاه!
ربما يخرج علينا يونسي بعد أيام ليعتذر عن هذه العنصرية المقيتة والنظرة البغيضة للعرب، ولكني شخصياً لا أنتظر منه أي اعتذار ولن أصدقه أيضا إذا اعتذر، فقد سبق له أن اعتذر عن تصريحاته بشأن احتلال بغداد، ولم يكن اعتذاره ذاك سوى تعبير عن موقف سياسي لا شعور شخصي، وبالقدر ذاته فإن نظرته العنصرية للعرب لن تمحوها اعتذارات أو كلام منمق ولبق، ثم لمَ الاعتذار والرجل عن أخرج لنا ما في جعبته العفنة من مشاعر كريهة لن يمحوها الاعتذار ولا الكلام الدبلوماسي.
لو أن المدعو أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم "داعش" قد بث رسالة فيديو مصورة تحدث فيها عن إيران الفارسية بنفس المنطق واللهجة العنصرية البغيضة لقامت الدنيا ولم تقعد في الفضائيات تحليلاً وتفسيراً وتفكيكاً للخطاب الداعشي، ولكن عندما يخرج مسؤول إيراني بهذا المستوى ليتهم العرب جميعاً بأنهم يشعرون بالدونية تجاه الأتراك والفرس فلا من مجيب ولا رد لهذه التخرصات والسخافات!
يحاول يونسي والقادة الايرانيين أن يواصلوا امتطاء حصان "داعش" الذي يتخذونه سببا لتنفيذ أغرضاهم الدنيئة في العراق وسوريا، وأكاد اجزم بأن مشروع "داعش" يلتقي مع المشروع الايراني ويتقاطع معه مصالحياً في نقاط عدة، فتنظيمات الارهاب لديها مصالح مؤكدة مع إيران التي تشجعها وربما تكون قد أسهمت في تأسيسها ـ بشكل مباشر أو غير مباشر ـ من أجل الاساءة إلى الاسلام السني واستنزاف قوى الدول العربية السنية في الحرب ضد هذه التنظيمات.
ما يهمني في ما قاله يونسي أن إيران لم تزل تتجرع كأس الحقد التاريخي على العرب، فلم ينس الفرس هزيمة "القادسية" على يد العرب المسلمين رغم أن هذه المعركة كانت بوابة دخولهم الاسلام الذي يزعمون أنهم يرفعون شعاره ويدافعون عنه اليوم، ومن يقرأ الأدبيات الايرانية يدرك تماماً أنها تحفل باتهامات بشعة بحق العرب، وتنكر أي فضل للعرب في الحضارة والعلوم رغم أن أئمة الشيعة في معظمهم من العرب، وكل هؤلاء الملالي ينتمون عقائدياً إلى الحسين بن علي بن أبي طالب!
الأمر الجيد أن هذه التصريحات العنصرية الوقحة بحق العرب تسقط ما تبقى من أوراق التوت التي تخفي عورات الملالي وادعاءتهم الكاذبة، فهي تعيدهم إلى أصولهم الفارسية الجاهلية وتجردهم من فضل الدين الاسلامي السمح عليهم، وتظهر أن ادعاء الدفاع عن الاسلام ليس سوى غطاء مكشوف لتحقيق أغراض عنصرية بغيضة.
والآن يتأكد للجميع ان الصراع مع إيران لا يتعلق بالمذاهب، فالمسألة ليست صراعاً شيعياً ـ سنياً كما يزعم الكثيرين، بل هو صراع تاريخي قومي لا يريد الايرانيون نسيانه، ولكنهم يحاولون تغطيته برداء مذهبي كي يستقطبوا عواطف العرب الشيعة من مختلف الدول العربية، كما فعل الملالي حين نشروا الذعر والخوف والفتنة والوقيعة بين الشيعة والسنة في بلاد عربية عدة من العراق إلى اليمن ومملكة البحرين وغيرها، وهو ما يغيب عن البعض ممن يسايرون إيران ـ عن جهل ـ في خططها ويمضون في تدبير المكائد ضد الشيعة العرب في كل دولهم، متناسين أن الصراع مع إيران الفارسية هو صراع قومي تاريخي لا طائفي مذهبي، فما يتفوه به يونسي وغيره من المسؤولين الايرانيين ليس سوى تطرف فارسي قومي مقيت لا يقل خطراً على الأمن والاستقرار الاقليمي عن تطرف "داعش" والقاعدة وغيرهما من التنظيمات الارهابية المتطرفة، التي يعمل المجتمع الدولي جاهداً على استئصالها والقضاء عليها.