يبدو أن إيران لم تعد تهتم بردود الأفعال الإقليمية والدولية حيال الممارسات التي ترتكبها، وتضرب من خلالها بالقانون والأعراف الدولية عرض الحائط. وآخر تلك الأفعال ما ورد في تصريحات قائد البحرية الإيراني، العميد علي فدوي، لوسائل الإعلام الإيرانية مؤخرا، والتي تفاخر فيها بأن قواته تدرب عناصر أجنبية في جزيرة فارور الواقعة قرب الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) في مياه الخليج العربي.
والمؤكد أن الاعتراف الصريح بموقع هذه التدريبات يعكس حجم المؤامرة الإيرانية التي تحاك ضد دول المنطقة جميعها، فجلب المرتزقة من المقاتلين الشيعة من دول مثل باكستان وهزارة أفغانستان اللاجئين في إيران وغيرهم، يمثل تطورا نوعيا في الخروقات والانتهاكات الإيرانية للقوانين الدولية، ويكشف عدم مبالاة إيران برعاية الإرهاب ودعمه في وضح النهار وأمام عيون المجتمع الدولي.
ولا شك أن الإعلان الإيراني الرسمي عن هذه الميليشيات ليس مفاجئا، فقد سبق وأعلن جنرال الحرس الثوري محمد علي جعفري منتصف يناير الماضي أن قواته لديها مائتا ألف مقاتل في خمس دول بالمنطقة يساندون ما أسماه بـ”نهج المقاومة والصمود”، وإذا أضفنا إلى ذلك تصريحات قائد الحرس الثوري السابق، العميد محسن رفيق دوست، التي كشف فيها عن نية الحرس الثوري الإيراني تأسيس الحرس الثوري العراقي، وقال “إن الحرس الثوري مستعد بكل ما يملك من طاقة لمساعدة العراقيين على تأسيس الحرس الثوري في العراق”. وأضاف أن الحرس الثوري سيضع كل تجارب تأسيسه للمساعدة في تأسيس الحرس الثوري العراقي. زاعما أن الحرس الثوري يعد “نموذجا مناسبا” لدول المنطقة، لأدركنا جدية المؤامرة التي تنفذها إيران للهيمنة وتنفيذ مشروعها التوسعي الطائفي في المنطقة.
هذه التصريحات وغيرها تؤكد وجود مشروع تخريبي إيراني إقليمي، وأنه لولا تدخل التحالف العربي عسكريا في اليمن لكان للمنطقة الآن وجه آخر، حيث كانت طهران تسعى لاستكمال طوق الحصار الاستراتيجي وتضييق الخناق على دول مجلس التعاون شمالا وجنوبا، ولكن القرار الحاسم البتار للقيادة السعودية قد حال دون تنفيذ المخطط الإيراني.
وما يجب أن ينتبه إليه الجميع أن إيران تزاوج بين خطط نشر “التشيع″ من ناحية، وبين خطط التجنيد العسكري المذهبي من ناحية ثانية، وذلك وفق تخطيط استراتيجي عميق يستهدف تكريس الهيمنة الإقليمية الإيرانية ومواجهة نفوذ المملكة العربية السعودية، التي تسعى للحفاظ على أمن واستقرار دول مجلس التعاون في مواجهة التغول الإيراني الطائفي البشع.
وإذا كان تنظيم داعش قد وسّع دائرة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، فإن إيران تعمل على مأسسة هذه الظاهرة، وتمضى على خطى داعش في جلب الإرهابيين الشيعة من كل حدب وصوب، فمنذ عام 2013 بدأت إيران تستعين بمقاتلين شيعة من الهزارة الأفغان اللاجئين في إيران، كما تستعين إيران أيضا بمقاتلين شيعة من دول إسلامية أخرى، حيث أكدت تقارير إعلامية مقتل مقاتلين شيعة باكستانيين في العراق وسوريا خلال العامين الماضيين.
والمؤكد أن إيران قد لعبت على تأثير وقوة العامل الاقتصادي في توسيع دائرة استقطاب المرتزقة الشيعة من مناطق فقيرة في أفغانستان وبعض الدول الإسلامية الأخرى، التي تعاني صعوبات اقتصادية، وفقر يدفع الكثير من أبنائها إلى الانخراط في صفوف الميليشيات الشيعية التي تعلن عنها إيران، كما يحدث في لواء “الزينبيون” الذي تشير إليه التقارير الإعلامية بكثافة.
تعتمد إيران في تخطيطها الشيعي على بناء مجال حيوي جديد يضم ما تسميه طهران إعلاميا بمحور الممانعة الجديد، وتستخدم في ذلك وسائل وآليات رسمية وغير رسمية، وهو موضوع حيوي في إيران لدرجة أن مجلس الشوري قد ناقش في يوليو الماضي تعديل قانون الجنسية الإيراني، ليسمح بمنح الجنسية لمقاتلين ومتعاونين استخباراتيا من الجنسيات الأجنبية، الذين يقاتلون ويتجسسون لصالح مشاريع طهران في العالم، خاصة الموالين لها في منطقة الشرق الأوسط.
وقد صنف موقع مركز دراسات البرلمان الإيراني ـبحسب ما نشر موقع قناة “العربية”ـ الفئات التي يشملها تعديل القانون المدني الإيراني إلى أربعة أصناف، وهم المقاتلون والمجاهدون غير الإيرانيين أو الميليشيات الأجنبية التابعة لإيران، ومصابو الحرب غير الإيرانيين، وعوائل القتلى غير الإيرانيين، والنخب غير الإيرانية المتعاونة مع أجهزة الاستخبارات الإيرانية.
ويعطي هذا القرار سلطة منح الجنسية الإيرانية للأجهزة الأمنية والعسكرية والاستخباراتية الإيرانية، وهو تطور بالغ الخطورة والتأثير على الأمن والاستقرار في دول مجلس التعاون وبقية الدول التي ينتشر بها المذهب الشيعي.
ويدرك متابعو الشأن الإيراني والمتخصصين فيه أن التصريحات الإيرانية الأخيرة ليست سوى كشف غطاء عن مخطط تآمري قائم بالفعل منذ سنوات، وسبق أن تحدث عنه الخبير الأميركي راي تقيه حين ذكر أن إيران تسعى إلى تشكيل ميليشيا تدخل عسكري سريعة قوامها نحو مليون مقاتل بحيث تمتلك القدرة على التدخل في مناطق الأزمات بمحيطها الجيواستراتيجي، وأن بدايات تشكيل هذه الميليشيات ستتكون من 200 ألف مقاتل ينتشرون من إيران حتى لبنان.
ما يحدث في العراق هو أحد مظاهر الخطر الإيراني المتفاقم، فبعد إعلان وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري عن تعيين الجنرال قاسم سليماني مستشارا عسكريا لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، أعلنت طهران مؤخرا تعيين الجنرال سليماني منسقا عسكريا للعلاقات الإيرانية مع سوريا والعراق، ما يعني أن هناك توجها لتكريس الوجود العسكري الإيراني في هذين البلدين العربيين. والأرجح أن ما يدور وراء الكواليس يتمثل في تنفيذ التوجه الإيراني الخاص بإنشاء الحرس الثوري العراقي على غرار الحرس الثوري الإيراني، بحيث يتم تحويل الحشد الشعبي الشيعي القائم إلى جيش شبه نظامي مواز للجيش العراقي كما في إيران تماما.
منذ أيام قليلة، قال السيناتور الجمهوري الأميركي توم كاتن إن “من نتائج الاتفاق النووي مع إيران هو زيادة تجرؤ إيران على مواصلة أعمالها الإرهابية في كافة أنحاء العالم”، وهذا تصريح مهم للغاية لأنه يعكس الواقع الذي تتجاهله الإدارة الأميركية الحالية وتراهن على تغيير السلوك الإيراني، وهي تدرك تماما فشل رهاناتها، ولكن الرئيس أوباما لا يزال يتمسك بأهداب الوهم في الملف الإيراني.
حالة إيران تتشابه تماما مع حالة كوريا الشمالية، فكم وقعت الولايات المتحدة اتفاقات وتوصلت إلى تفاهمات مع بيونغ يانغ حول برنامجها النووي، ولكن لأن النظام الكوري الشمالي هو نظام خارج التاريخ شأنه شأن نظام الملالي في إيران فلم يلتزم بأيّ اتفاق ولا يزال يتمسك بسياسة الستار الحديدي التي سقطت في دولة الكتلة الشيوعية السابقة.
الواضح أن جهود إيران على صعيد استقطاب المقاتلين الشيعة من دول عدة لا تحظى بأيّ اهتمام إعلامي غربي لسبب بسيط أن التجنيد وما يعقبه من تداعيات لا يعني العواصم الكبرى في شيء، فهي تغض الطرف بالأساس عن أنشطة إيران الإرهابية التي تستهدف التهام أجزاء من العراق وسوريا، فكيف لها أن تتحدث عن الاستعانة في ذلك بمرتزقة من الشيعة تجلبهم من هذا البلد أو ذاك، لتعمق الصراعات والمشاحنات والضغائن والفتن الطائفية وتوسع دائرة الاحتراب المذهبي والطائفي.