لم أكن يوما من المقتنعين بأن إيران تتدخل في العراق لأسباب استراتيجية تتعلق بالأمن القومي الإيراني فقط، بل أثق بأن هناك أسبابا دينية مذهبية تتغذى على أحقاد فارسية تاريخية تجاه العراق وأهله.
تاريخ العراق الضارب في عمق الحضارات منذ العصور السحيقة يعرفه الباحثون والمتخصصون في التاريخ والحضارات، كما يعرف هؤلاء أيضا أن النعرات العنصرية والمذهبية ظلت طيلة التاريخ هي المحرك الأساسي لإيران الصفوية تجاه العرب بشكل عام وبلاد الرافدين بشكل خاص.
أما تاريخ إيران ومواقفها تجاه العرب السنة، والعراقيين منهم تحديدا، في العصر الحديث فمعروفة للجميع ابتداء من ثورة الخميني عام 1979، ورفع شعار تصدير الثورة وغير ذلك.
الدولة الصفوية كانت دولة شيعية بالأساس، وعرفت بعدائها وكراهيتها الشديدة للعرب والسنة، ويقال إن الملوك الصفويين كانوا يبنون أهراما من الجماجم عقب ما يرتكبونه من مذابح وحشية، وهم من عرفوا محاكم التفتيش قبل أن تعرفها أوروبا في القرون الوسطي، فضلا عما يذكره التاريخ من استباحة النساء والأعراض وغير ذلك من مآس وانتهاكات بشرية بشعة لو حدثت في العصر الحديث لكان مرتكبوها قد عرضوا على الجنائية الدولية من دون تردد.
ويشير باحثون عراقيون في التاريخ القديم إلى أن تاريخ العلاقات مع إيران هو تاريخ مكتوب بالدماء ومليء بالأحقاد وعقدة الثأر الإيرانية من العراق والعراقيين. ويشير هؤلاء إلى أن اعتداءات إيران على العراق تعود إلى مرحلة التاريخ القديم، حيث كانت اعتداءات الإيرانيين هي السمة المميزة لتلك المرحلة، حتى هزيمة الفرس على يد العرب المسلمين، وكانت فترات الظلام في تاريخ العراق القديم هي تلك التي سيطر عليه فيها الإيرانيون الغزاة، حتى أن باحثا عراقيا معروفا يقول إن الإيرانيين ما تركوا فرصة طيلة التاريخ القديم لغزو العراق إلا واغتنموها.
تشير دراسات التاريخ أيضا إلى أن الإيرانيين تسببوا في تدمير مراكز حضارية كثيرة طيلة التاريخ العراقي القديم، ولم يتخلص العراق من السيطرة الفارسية سوى مع الإسلام، حيث هزم العرب المسلمين الفرس في معركة القادسية في عهد الفاروق عمر رضي الله عنه لدرجة أن بعض المتخصصين يعتقدون أن طول الفترات التاريخية التي استغرقها الاحتلال الإيراني للعراق قد غرس في الوعي الإيراني الفكرة القائلة إن العراق جزء لا يتجزأ من إيران.
شخصيا، لا اعتقد أن هذا التفسير دقيق تماما لأن الطموح الإيراني يتجاوز العراق إقليميا بمراحل، فهناك توغل في سوريا وهناك محاولات في اليمن، وهناك الآن تدخلات غير مشروعة في الشأن الداخلي البحريني، ما يعني أن هذه التدخلات لا ترتبط بالتاريخ فقط، بل لها أبعاد توسعية ترتدي رداء مذهبيا.
ما سبق لا ينفي أن لإيران أطماعا في العراق تحديدا، وهي أطماع تتغذى حديثا على رغبة دفينة في الثأر والانتقام مما لحق بإيران خلال فترة حرب الثماني سنوات، التي عانت خلالها الكثير على يد الجيش العراقي، لذا لم يكن مفاجئا أن تكون لإيران خطة مدروسة للانتقام من كل من شارك في تلك الحرب من العسكريين العراقيين، بل كان من ضمن الخطة اغتيال العلماء والباحثين وكل من يستطيع المشاركة في بناء عراق قوي قادر على أن يقف على قدميه بعد طي صفحة صدام حسين.
وفي ضوء هذا التاريخ المعقد والأحقاد الدفينة للإيرانيين تجاه العراق والعراقيين، يبدو من السذاجة التسليم بتصريحات المسؤولين الإيرانيين الحاليين بأن التدخل العسكري في العراق يستهدف مساعدة العراقيين في تحقيق الأمن والاستقرار، فهذا الهدف ليس مدرجا على أجندة إيران ولا يمكن أن يدرج مطلقا، فكيف لدولة تكن كل هذا الحقد والكراهية تجاه العراق أن تسعى لتحقيق الأمن والاستقرار فيه!، ثم إذا كان هذا الكلام صحيحا فكيف يمكن أن نفسر حملات التطهير العرقي التي تشنها ميليشيات الحشد الشعبي الطائفية ضد السنة العراقيين؟