هاجم المرشد الايراني الأعلي علي خامنئي مؤخراً رئيس الوزراء البريطانية تيريزا ماي بسبب انتقادها لإيران على خلفية ما تمثله من تهديد للأمن في منطقة الشرق الأوسط، وكانت ماي قد ذكرت إنها "ترى بوضوح" التهديد الذي تشكله إيران على الأمن في الشرق الأوسط بسبب تصرفاتها العدوانية في المنطقة.
خامنئي لم يفند تصريح رئيسة الوزراء البريطانية ولم يتعامل معه بشكل مقنع، بل هرب كالعادة إلى الأمام، مشيراً إلى أن " بريطانيا كانت مصدرا للشر والبؤس (الذي حدث) لشعوب منطقتنا"، ومعتبراً أن تصريح تيريزا ماي ينطوي على ما وصفه بالوقاحة!!
يدرك خامنئي أن السباب والشتائم لا يغيران من الواقع شيئاً، بل ربما يؤكدان أن تصريحات رئيسة وزراء بريطانيا قد لمست وتراً حساساً لدى نظام الملالي، وكان الأجدر به لو أنه يعتقد ـ مجرد اعتقاد ـ ان بلاده لا تلعب دوراً شريراً في المنطقة أن يشير إلى معالم ـ ولو بسيطة ـ لدور إيراني "طيب" في هذه المنطقة الحيوية من العالم.
تقول الحكمة أن بامكانك خداع الناس بعض الوقت ولكن من الصعب خداعهم طول الوقت، وهذا الكلام ينطبق تماماً على الملالي، إذ يبدو أنهم يدركون أن بامكانهم ممارسة سياسات مخادعة ومخاتلة والاستمرار فيها من دون أن يكتشف أحد أمرهم، أو يكشف الغطاء الذي يتدثرون به في تدخلاتهم المدمرة من دول عربية عدة.
رد فعل المرشد الايراني يعكس غضب إيراني شديد للتقارب الحاصل في العلاقات مؤخراً بين قادة دول مجلس التعاون من ناحية وبريطانيا من ناحية ثانية، حيث كانت قمة المنامة بمنزلة نقلة نوعية في علاقات الجانبين.
ما أردت قوله أن إيران تستسيغ التدخل في شؤون دول عربية عدة سواء عبر القوة الخشنة المباشرة أو عبر وكلائها وعملائها في داخل هذه الدول، او حتى تقديم الدعم والتمويل لمخططات التأثير سلباُ في الأوضاع الداخلية لبعض الدول العربية، ولكن في المقابل تشعر طهران بالانزعاج الشديد جداً في حال تعرضت لمجرد النقد من دولة كبرى بسبب تدخلاتها المفضوحة في ملفات اقليمية عدة.
لم يقدم خامنئي ماينفي تصريحات رئيس الوزراء البريطانية وحديثها عن وجود مؤشرات لدور إيراني مدمر في منطقة الشرق الأوسط، فهي تحدثت عما تراه بوضوح كما قالت نصاً، بينما اكتفى خامنئي بتوجيه السب إليها مكتفياً باستدعاء التاريخ، لعله يشفعه لكلامه العدمي في عيون مؤيديه من الواهمين والمخدوعين.
تدخلات إيران الكارثية في سوريا والعراق واليمن ليست بحاجة إلى دليل أو برهان، ولا يكتسب وجودها مزيداً من التعريف والانتشار لكونها وردت على لسان رئيسة وزراء دولة كبرى، فإيران أحد اسباب تدمير بلاده الشام بسبب تمويلها وحشدها للميلشيات الطائفية، التي تقاتل في هذين البلدين العربيين.
تشعر إيران بالغضب إزاء الشراكة الاستراتيجية الجديدة المعلنة خلال قمة المنامة، التي عقدت مؤخراً بين قادة دول مجلس التعاون، وكانت الشراكة ـ الخليجية ـ البريطانية أحد ثمراتها اليانعة، الأمر الذي تشعر معه إيران بقلق شديد، لأنها تريد أن تواصل استعراض قواتها وعضلاتها في هذه المنطقة الحيوية من العالم بمعزل عن عيون العالم وقواه الكبرى وفي خلسة من الزمن، وترى أن مخططها الاستعماري يمضي في سوريا على قدم وساق، وأنها ربما صارت أقرب إلى تحقيق حلمها القديم الجديد في المنطقة.
ما يتجاهله الجانب الايراني أن مؤامراتهم واضحة وضوح الشمس، ولا يمكن اخفائها، كما لا يمكن الصمت دوليا حيالها، كما يتجاهل المرشد الأعلى أن دور بريطانيا القديم في المنطقة، الذي يدينه في هذا التصريح قد انتهى منذ عقود طويلة، وهناك متغيرات كثيرة جرت منذ ذلك الحين.
لست في مقام الدفاع عن بريطانيا ولا غيرها، ولكني أرى أن إيران بدأت تفقد أعصابها بمرور كل يوم من الأيام المتبقية على تولي الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة في العشرين من يناير المقبل، حيث تدرك طهران تماماً حقيقة نواياه وتوجهاته المتشدد حيال إيران، كما تشعر أن هناك صفقات استراتيجية تلوح في الأفق السوري تحديدا، ولذلك ربما تسعى إلى تسريع خططها العسكرية في سوريا ومحاولة تحقيق أكبر انجازات ميدانية ممكنة قبل مجىء الإدارة الأمريكية الجديدة.
تشعر إيران أيضاً بضغط شديد بسبب مواقف إدارة الرئيس ترامب وفريقه الرئاسي الذي اختير العديد من أعضائه حتى الآن، وجميعهم تقريباً من المعادين لإيران الذين يمتلكون خبرة عميقة بمناوراتها ومسالكها في الهروب والتملص من الالتزامات والقوانين الدولية.