أثناء رحلة عمل خارجية مؤخراً، سألني أحدهم: لماذا ترون إيران خطراً عليكم في الخليج العربي؟ وقد ذكرته بأنني كتبت، وكذلك فعل كثيرون غيري، حول مظاهر الجنون والعبثية الطائشة في ممارسات نظام الملالي، وأن تجاهل هذا النظام للقانون الدولي والأعراف والمواثيق الدولية باتت مسألة لا خلاف عليها، ولكن يبدو أن التناول الأشمل للخطر الايراني يحتاج إلى مزيد من التركيز، لاسيما أن فهم حدود الخطر الإيراني يتطلب فهماً متكاملاً لحدود هذا الخطر ومظاهره وأبعاده.
وفي هذا المقال احاول تتبع هذه المظاهر، وفي مقدمتها السعي الحثيث إلى فرض طوق حصار استراتيجي حول دول مجلس التعاون بشكل مباشر وغير مباشر عبر توسيع النفوذ الايراني في دول مثل سوريا والعراق ولبنان شمالاً، واليمن جنوباً، وذلك من خلال وكلاء إيران الممثلين في حزب الله اللبناني والحشد الشعبي الشيعي وجماعة الحوثي، فضلا عن تمويل وتحريض جماعات مناوئة للدولة في مملكة البحرين الشقيقة وتأليب الشيعة في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية الشقيقة، اضافة الى مد النفوذ الايراني في منطقة القرن الافريقي وبل وفي دول أخرى ذات تاثير في الأمن الوطني الخليجي مثل باكستان وأفغانستان وبعض الدول الأفريقية.
وثاني هذه المظاهر يتمثل في استخدام المردود الاقتصادي الذي ترتب على تنفيذ الاتفاق النووي الموقع بين ايران والقوى الكبرى وتوجيه معظم الاموال والارصدة الايرانية المجمدة في دول العالم بعد الافراج عن الكثير منها نحو تمويل مخططات التوسع المذهبي الايراني. وثالثها إطلاق يد الحرس الثوري الايراني بما يمتلكه من موروث طائفي عدائي لدول الجوار الخليجية والعربية في إدارة العلاقات الايرانية إقليميا، حتى أن الجنرال قاسم سليماني قائد الحرس الثوري بات يعمل بصفة رسمية مستشاراً عسكرياً للحكومة العراقية، وبات ظهوره أكثر من مرة ميدانيا في كل من العراق وسوريا مسألة مألوفة.
ورابعها تنفيذ عمليات تطهير عرقي وخطط إعادة هندسة ديموغرافية واضحة المعالم في المدن والمحافظات العراقية والسورية، التي يتم تحريرها من قبضة تنظيم "داعش"الارهابي وتسكين مهجرين شيعة من باكستان وافغانستان وايران ومناطق عراقية أخرى بدلاً من سكانها الأصليين السنة، من أجل تهيئة المجال أمام خيارات التفكيك والانفصال في كل من العراق وسوريا بهدف تغيير موازين القوى الاقليمية وتعديل هياكل القوى الاقليمية لمصلحة إيران. وخامسها سعي إيران بشتى الطرق إلى الضغط استراتيجياً على المملكة العربية السعودية، باعتبارها ركيزة الأمن الوطني لدول مجلس التعاون، وذلك عبر مخططات ومؤامرات تتخذ أنماطاً مختلفة تبدأ من التوظيف السياسي للشعائر الدينية وتنفيذ مخططات فتنة واضطراب خلال موسم الحج الذي يجمع نحو 3 مليون مسلم في الأراضي المقدسة بمكة والمدينة، من أجل إحراج المملكة العربية السعودية والسعي بكل الطرق لافشال جهودها في تنظيم الحج من أجل تطبيق مخطط تدويل الاماكن الاسلامية المقدسة، وتأليب الشعب السعودي ضد بعضه البعض من خلال تدبير عمليات التفجير الطائفية، والحوادث التي تسببت في مقتل المئات خلال مواسم الحج الماضي بهدف إضعاف قبضة المملكة أمنياً وتنظيمياً وإحراجها اقليمياً ودولياً.
وسادس مظاهر الخطر الايراني يتمثل في مواصلة احتلال الجزر الاماراتية الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى) والتعنت الشديد في رفض أي مقترحات تسوية سلمية تعرضها دولة الامارات في مختلف المناسبات والمحافل، بما يعكس تصميم الجانب الايراني على فرض إرادة الاحتلال على هذه الجزر، التي تثبت الوثائق التاريخية كافة ملكيتها لدولة الامارات العربية المتحدة، في ما تواصل إيران ممارساتها الاحتلالية عليها، بما يتنافي مع مبادىء حسن الجوار والرغبة في التعايش السلمي بين الدول. والأمر لم يقتصر على ذلك بل لجأ نظام الملالي مؤخراً إلى الهروب من استحقاق الجزر الثلاث بترديد مزاعم لا أساس قانوني أو تاريخي لها، تتمثل في أحقية إيران المزعومة في جزيرتي "زاركوه"و"أريانا"في موقف يعكس تجذر التهور والطيش في سلوكيات الملالي!!.
سابع هذه المظاهر يكمن في امتلاك إيران آلة إعلامية جبارة مكونة من عشرات الفضائيات والصحف والمواقع والجيوش الالكترونية التي تعمل على التحريض الطائفي وبث نار الفتنة المذهبية اقليمياً، وإشعال الحرائق وتقويض دعائم الأمن والاستقرار في دول المنطقة. وثامناً يأتي من حرص نظام الملالي على إجراء المناورات والتدريبات واستعراضات القوة العسكرية في مياه الخليج العربي بشكل دوري ينطوي على رسائل تهديد واضحة ومقصودة إلى دول الجوار بما يتنافي مع أي ادعاءات حول الرغبة في تحقيق الأمن والاستقرار الاقليمي، فضلاً عن الحرص على تطوير منظومات صاروخية تمثل خطراً داهما على دول مجلس التعاون كون معظم عناصر هذه المنظومات تنتمي إلى الطرازات قصيرة المدى التي تستهدف مدن دول مجلس التعاون بشكل معلن لكل متخصص أو مراقب موضوعي.
والأمر لا يقتصر على ذلك، بل هناك أيضاً تهديد عقائدي طائفي مذهبي يحمل شعارات تحريضية تستهدف توظيف المواطنين الشيعة في دول مجلس التعاون واستقطابهم لمصلحة الدعاية الايرانية، واستمالتهم عاطفياً لمصلحة المشروع الأيديولوجي الايراني وتقويض ولاءات هؤلاء المواطنين لدولهم عبر آليات ومخططات مذهبية مختلفة وصولاً إلى غرس بذور الفرقة والانشقاق في دول مجلس التعاون بما يسهل عملية الضغط استراتيجياً على هذه الدول. وهناك أيضاً التهديد الأمني، بالاعتماد على كيانات شبه عسكرية مكونة من ميلشيات طائفية وعسكرة الشيعة في دول مثل العراق وتسليحهم، وتمويل جماعات تعمل بالوكالة مثل جماعة الحوثي في اليمن وحزب الله اللبناني وغيرهما من التنظيمات التي تأتمر بأوامر المرشد الايراني الأعلى، وتنفذ تعليماته التي ينقلها قادة الحرس الثوري. وكذا استغلال الجماعات الارهابية السنية في تنفيذ المخطط التوسعي الايراني، عبر تمويل هذه الجماعات وتوفير المأوي لقادتها كما حدث مع تنظيم القاعدة، من أجل اتخاذ هذه التنظيمات ذريعة للتدخل في دول الجوار السنية بدعوى حماية الشيعة والدفاع عنهم. وهناك كذلك التهديد الاقتصادي الاستراتيجي، فلا تكف إيران عن التهديد بإغلاق مضيق هرمز وتهديد الملاحة البحرية في هذا المضيق الحيوي، الذي تمر عبره معظم صادرات النفط الخليجية إلى الخارج.