تابعت في الفترة الأخيرة الكثير من التقارير ووجهات النظر التي ترى في ترشح الرئيس الإيراني السابق محمود أحمد نجاد لانتخابات الرئاسة المقبلة بمنزلة تحد لإرادة وتعليمات المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي.
تقول التقارير والتحليلات إن أحمدي نجاد أعلن العام الماضي أنـه لن يترشح بعدما نصحه المرشد بذلك، واعتبر المرشد آنذاك أنه يجب تجنب “استقطاب مسيء” في البلاد، وأنه (أي نجاد) اتجه إلى دعم نائبه حميد بقائي في الانتخابات الرئاسية التي ستجـرى في 19 مايو المقبـل، ولكن نجـاد خالف وعـده والتزامه وقـدم أوراق تـرشحه في محاولة للعودة إلى منصب قضى فيه ثماني سنوات خلال الفترة من 2005 حتى 2013.
السؤال الآن؛ هل يُعدُّ ترشح نجاد مفاجأة انتخابية غير متوقعة؟ وهل سيغير دفة التوقعات ويقلب بورصة التكهنات بالفعل؟ والأهم هل يعد ترشح نجاد خطوة حقيقية أم مناورة سياسية؟
الإجابة تبدأ من فهم ديناميات السياسة الإيرانية والقوى المحركة لها، وفي مقدمتها المرشد الأعلى، الذي كان يعتبر نجاد الابن البار له، وبالتالي فمن غير الوارد القطع بأن ترشح نجاد قـد جاء على خـلاف إرادة المرشد، ناهيك عن كون الخطوة تحديا له، وعلينا في البداية أن ننتظر “الفرز” الذي سيجريه مجلس صيانة الدستور لأسماء المرشحين للتأكد من ترشح نجـاد بالفعل من عدمـه، ولكـن في مجمل الأحـوال علينا أن نثق تماما في أن هرمية السلطة والنفوذ في نظام ولاية الفقيه الخـاص بالملالي لا تسمح لأحد بتحدي المرشد، ولا تسمح لأحد بالـوصول إلى منصب رفيع على خـلاف رغبـة المرشد، صاحب النفوذ الأعلى والحقيقي الذي يتربع على عرش النظام ويتحكم فيه.
في ضوء ما سبق، فإن ترشح نجاد على الأرجح هو خطوة إعلامية تأتي ضمن لعبة “جس النبض” والرسائل التي يبثها نظام الملالي للخارج، فالعالم كله يعرف نجاد وأسلوبه الحاد وميله الدائم لافتعال الصراعات وشحن الأجواء والمزايدات السياسية والإعلامية، وكأن الملالي يريدون أن يقولوا للعالم إن لدينا “خيارات” متهورة في الحكم والسياسة، ويمكن الدفع بها للتصدي لقادة الدول الكبرى التي تسعى للضغط على إيران.
هي رسالة موجهة إلى الولايات المتحدة وإدارة الرئيس دونالد ترامب تحديدا، فلا أحد يجرؤ في إيران على تحدي إرادة المرشد، ناهيك عن الدائرة المقربة منه من المحافظين المتشددين، حيث يصنف نجاد أحد أيقوناتهم التي يعتزون بها.
في الوقت الراهن، من الوارد أن ينتهي دور نجاد عند حد إرسال الرسالة للخارج ويخرج من السباق قبل أن يدخله، وتحديدا مـن بوابـة مجلس صيانة الدستـور لأي سبب، ومن الوارد أيضا أن ينسحب نجاد ذاتـه لـو وافـق عليـه مجلس صيـانة الدستور.
لم يزل نظام الملالي يفضل قطع خطوة للوراء في مواجهة إدارة ترامب ولا أعتقد أن يتجه إلى الدفع بشخص متهور مثل نجاد للتعامل مع الولايات المتحدة في عهد ترامب، فالملالي يعرفون عواقب هذه الخطوة غير المحسوبة، وما يدعم ذلك أن هناك استحسانا ملحوظا للإبقاء على ولاية ثانية للرئيس حسن روحاني رغم ضعف فرصه في الفوز بولاية رئاسية ثانية.
هناك مرشحون بارزون في الانتخابات الإيرانية المقبلة، منهم إبراهيم رئيسي، الذي يدعي أنه من نسل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو أحد الملالي المتشددين الذين يمتلكون نفوذا واسعاً في السنوات الأخيرة في الساحة الإيرانية، وهو من الشخصيات المقربة بشدة للمرشد خامنئي، ولكنه يبلغ من العمر 77 عاما، وكان يعتقد أنه يمكن أن يكون مرشحا لخلافة المرشد حال وفاته، وإذا به يترشح للرئاسة منافسا لروحاني.
وجود رئيسي على قائمة المرشحين يمثل تهديدا كبيرا لفرص إعادة انتخاب روحاني، ففي ترشح الأول إشارة إلى رغبة المتحكم الأول في البوصلة الإيرانية، أي المرشد، وهي إشارة إلى أتباعه ومؤسسات الدولة الإيرانية.
رئيسي هو أحد رموز العنف والانتهاكات في النظام الإيراني، ولكن الغريب أنه يرفع شعارات هادئة في الحديث عن العلاقات مع الغرب، ولا يبدو نسخة مكررة من نجاد، ما يثير تكهنات بأن الملالي يخشون بالفعل التصعيد مع الولايات المتحدة في المرحلة الراهنة، ويريدون تهدئة تسهم في امتصاص حدة ترامب ومستشاريه.
لا أعتقد أن ترشح نجاد ينطوي على قدر من الجدية في ظـل شراسة الجولة الانتخابية المقبلة، فهو مرشح شعبوي ولديه أنصار ولكنهم ليسوا بالقدر الذي يتيح له الفوز في مواجهة مرشح قوي مثل رئيسي أو حتى روحاني، ولو صح ترشحه وعبوره بوابة مجلس صيانة الدستور فإن ذلك سيكون بضوء أخضر من المرشد ومباركته، وليس على خـلاف إرادتـه كما تزعم التقارير الإعلامية الإيرانية، التي تحاول تجميل وجه النظام بإدعاءات كاذبة على شاكلة تحدي المرشد أو الترشح على خلاف رغبته وغير ذلك، ويكفي القـول إن مجلس صيانة الدستور هو من يحدد “أهلية” كل مرشح لخوض الانتخابات، وهي خطوة غير موجودة في أي نظام سياسي يزعم الديمقراطية في العالم.
صحيح أن هناك صراعات وأجنحة داخـل التيـار المحـافظ وخـلافات بـين المتشدد والأكثر تشـددا، لا سيمـا وقـد تكـاثر المـزايدون على الثورة وتقاسم الثروات والنفوذ في هذه المرحلة من تاريخ الثورة، ولكن نجاد تحديدا لا يستطيع مخـالفة تـوصيـة أو حتى نصيحـة المرشد، لأن هناك من يقول بأنهـا مجـرد توصية وليسـت توجيها ملـزما، وكـأننا لا نعرف طبيعة النظام الإيراني والقبضة الحديدية التي يدار من خلالها.