من بين نتائج عديدة، أثمرت عنها زيارة الرئيس الأمريكي دونالدترامب للسعودية مؤخراً الإعلان الضمني عن عودة الدور الأمريكي إلى الشرق الأوسط بقوة، عكس ما كان سائداً خلال العامين الماضيين، حيث تخلت إدارة أوباما تماماً عن قضايا المنطقة، وسمحت بتمدد روسي إيراني واسع النطاق، ما هدد المصالح الاستراتيجية لدول مجلس التعاون.
وعلى عكس سلفه، باراك أوباما، لم يشر الرئيس الأمريكي في خطابه أمام القمة الإسلامية ـ الأمريكية التي عقدت مؤخراً في الرياض، إلى حقوق الإنسان أو الديمقراطية، ويختلف خطاب الرئيس ترامب عن سلفه أوباما من عدة نواحي أخرى، فخطاب أوباما كان مطولاً وبلغت عدد كلماته نحو 5400 كلمة، وتناول قضايا الحريات وحقوق الانسان والمرأة، كما تناول قضايا عدة أهمها القضية الفلسطينية، وكان يميل إلى التنظير العلمي والسياسي، فيما كان خطاب الرئيس ترامب أكثر تركيزاً على قضيتي الإرهاب وإيران من خلال خطاب بلغ كلماته نحو 2600 كلمة، وتتضمن رؤية صريحة ومباشرة تعبر عن فكر الإدارة الأمريكية الجديدة، ولم يقدم صورة وردية للمستقبل بل قدم تصوراً واضحاً ودقيقاً حمل فيه كل طرف التزاماته بدقة ومن دون مواربة. كان خطاب الرئيس ترامب أيضاً أكثر تركيزاً على فكرة الشراكة والسعي لاقناع العالم الإسلامي بضرورة استئصال الفكر المتطرف.
قال الرئيس ترامب في خطابه أمام قادة العالم الإسلامي أيضاً إن الحرب ضد التطرف ليست معركة بين الديانات. "هذه معركة بين الخير والشر". وهي إحدى أهم النقاط التي ركزت عليها زيارة الرئيس ترامب بشكل عام، أي تغيير الصورة النمطية السائدة حول رؤية إدارة ترامب للعلاقة مع الإسلام، والتركيز على أن الأمر يتعلق بصراع بين الخير والشر وليس بصراع بين الأديان، أو مع الإسلام تحديداً.
ولا شك أن حديث الرئيس ترامب عن الحوثيين وضرورة التصدي لخطرهم، ووقف الدعم الإيراني لهم، يصب في مصلحة التحالف العربي الذي تقوده السعودية، ويدعم موقفه في اليمن، ويمثل ضغطاً كبيراً على التيار الحوثي وأتباعه من ميلشيات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، فلا مجال الآن للعب على وتر الانقسام الدولي حيال ما يحدث في اليمن.
هناك مكاسب حيوية أخرى تحققت من خلال هذه الزيارة والتنظيم الرائع للقمة الإسلامية ـ الأمريكية، منها نجاح السعودية في انتزاع اعتراف أمريكي/ إسلامي بقيادتها للعالم الإسلامي، وزعيمة قوية للعالم الإسلامي السنّي وكدولة قادرة على مساعدة أمريكا في تحقيق أهدافها الاستراتيجية، وهو ما يفسر اختيار ترامب لها كمحطة أولى لزياراته الخارجية.
وقد لجأ الرئيس ترامب إلى إعادة صياغة خطابه للعالم الإسلامي،وبالتالي العلاقات الأمريكية ـ الإسلامية، معتمداً على فكرة "الشراكة"بدلاً من العداء والصدام، في محاولة لتغيير صورته النمطية في الداخل والخارج، والترويج لنفسه في صورة جديدة كداعية سلام ووفاق بين الحضارات والأديان، من دون أن يتخلى عن شعاره المفضل "أمريكا أولاً".
وبدا واضحاً أن قمة الرياض وفرت بعداً جديداً لدى الإدارة الأمريكية، ويتمثل في فهم أفضل للعالم الإسلامي، وهو ما شدد عليه وزير الخارجية الأمريكي بقوله "لدينا فهم أفضل الآن للدين الإسلامي الحنيف من خلال وجودنا هنا في بلد الحرمين الشريفين، وأعتقد أن الأمر مهم بالنسبة لنا، ونأمل جميعاً أن المسلمين في المجتمعات الإسلامية يعرفون أن الشعب الأميركي لديه الاهتمامات نفسها".
ولعل أكثر ما يشغل بال الكثيرين الآن على خلفية بناء تحالف دولي ضد إيران هو: هل المنطقة بصدد مواجهة عسكرية ضد إيران؟ أو بالأحرى متى تقع الحرب ضد إيران؟ الجواب أن تحليل مضمون خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في قمة الرياض، وفهم توجهاته وبؤر تركيزه الأساسية منذ تولي منصب الرئاسة، تشير إلى استبعاد سيناريو المواجهة العسكرية بين الولايات المتحدة وإيران، وميل واشنطن إلى العمل وفق مسارين أساسيين أولهما مساعدة الحلفاء الخليجيين في حماية أمنهم القومي والتصدي للتهديدات الاستراتيجية، والثاني هو الميل الأمريكي للعودة إلى مبدأ عزل مصادر التهديد واحتوائها، أي صيغة شبيهة باستراتيجية الاحتواء التقليدية، التي سادت العلاقات الأمريكية ـ الإيرانية لسنوات طويلة مضت، مع تطوير هذه الاستراتيجية لتصبح أكثر فاعلية وتأثيراً، بالاستعانة بدول العالم الإسلامي في عزل إيران دولياً للضغط عليها لتغيير سلوكها السياسي والتخلي عن نهج التدخل في شؤون الدول الأخرى. وفي هذا الإطار كان وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون واضحاً عندما دعا إيران إلى احترام حقوق الجوار بوقف نشاطاتها المستمرة لزعزعة أمن واستقرار المنطقة ودعمها للميليشيات في الدول المجاورة. وأعرب عن أمله أن تعود القيادة الإيرانية إلى طاولة المفاوضات، مشدداً على ضرورة اتخاذ المجتمع الدولي مواقف حازمة وفعالة بعدم قبول سياسات إيران ودعمها للإرهاب وتشديد العقوبات الاقتصادية عليها والتعامل معها في البلدان التي لها حضور عسكري فيها. من ناحية أخرى لا يبدو أن المملكة العربية السعودية تميل إلى فتح جبهة صراع عسكرية مع إيران، فالمملكة تتبنى رؤية تنموية طموحة خطط لها الأمير الشاب ولي ولي العهد محمد بن سلمان، ولا يمكن الجزم بأنها تفكر في المبادرة بخوض صراع عسكري مع نظام الملالي الذي تدرك القيادة السعودية أنها تمنحه فرصة ذهبية "أو قبلة حياة"مجانية حين تتيح له فرصة فتح جبهة صراع عسكري جديدة، فهو نظام يقتات على الأزمات ويسعى دائما إلى إشغال الشعب الإيراني بأزمات خارجية، لصرف الأنظار عن الإخفاقات الداخلية. وبالتالي فصفقات التسلح التي وقعتها السعودية ليست دليلاً عن الاستعداد لحرب هجومية، بل هي بالأساس وعلى الأرجح تعزيز وتحصين للقدرات الدفاعية السعودية في مواجهة التهديدات الإيرانية، وكذلك الحال بالنسبة لبقية دول مجلس التعاون، التي تسعى تعزيز قدراتها الدفاعية الذاتية، وحماية مكتسبات شعوبها في مواجهة الغرور والصلف الفارسي المتزايد.
مايجب أن تفهمه إيران أن دول مجلس التعاون معنية بالتقدم في مسيرة التنمية أكثر من اهتمامها بالصدام مع إيران، ولكن ذلك لا يعني ترك على الغارب للملالي كي يمضوا في مخططاتهم التوسعية المذهبية.