من يقرأ التحليلات المنشورة عقب إعلان فوز الرئيس الإيراني حسن روحاني بفترة رئاسية ثانية، يستنتج أن فوز روحاني لم يكن على هوى المرشد، والدليل على ذلك، كما استند معظم المحللين في وسائل الإعلام العربية، أن خامنئي لم يبعث له بتهنئة عقب إعلان النتائج واكتفى بكتابة "تغريدة"قال فيها "أظهرت الانتخابات التقدم المطرد للأمة الإيرانية".
الرئيس روحاني، الذي حصل على نسبة 57% من الأصوات، اعتبر أن إعادة انتخابه تظهر أن الناخبين الإيرانيين يرفضون التشدد، ويريدون علاقات أقوى مع العالم الخارجي، بينما يرى محللون أن الفوز الحاسم لروحاني يمنحه تفويضاً قوياً لإجراء إصلاحات اقتصادية.
قناعتي الشخصية أن فوز روحاني ينسجم تماماً مع رغبة الملالي، وفي مقدمتهم المرشد ذاته، فمن غير المعقول أن تأتي إيران برئيس متشدد يفتقر إلى الخبرة السياسية اللازمة في توقيت بالغ الحساسية، حيث تبدو إيران في موقف استراتيجي بالغ الصعوبة، وتواجه عزلة إيرانية غير مسبوقة. وهنا قد يتساءل البعض: طالما أن المرشد يرغب في استمرار روحاني، فلماذا دفع إذن بإبراهيم رئيسي المقرب من خامنئي للمنافسة، والكل يعرف عواقب الخسارة مقدماً، فرئيسي مرشح بقوة لخلافة خامنئي، وكان يريد الفوز بمنصب الرئيس لتكون خطوة أولى نحو الجلوس على كرسي المرشد؟!
والجواب هنا يمكن اقتباسه من الجزء المتبقي من "تغريدة"المرشد ذاته، والذي قال فيه إن إيران ستثبت أنها تملك "الكرامة"و "الحكمة"في العلاقات مع البلدان الأخرى، و"الحكمة"هي شعار حملة روحاني الانتخابية!! والخلاصةفي قول المرشد أن هناك تركيز هائل على السياسة الخارجية وإدارة العلاقات الإيرانية مع محيطها الإقليمي والعالم الخارجي، وهنا فقط لا يمكن الرهان على رئيس يفتقر إلى خبرة سياسية، وهنا فقط أيضاً تبدو إشارة دفينة بأن روحاني هو الرئيس المناسب في هذا التوقيت للحفاظ على نظام الملالي.من الصعب الاقتناع بأن المرشد، الذي يمتلك الكلمة الفصل في ملفات السياسة الخارجية يمكن أن يوافق على الدفع برئيس جديد، سواء متشدد أو غير ذلك، في مواجهة التحدي الذي تمثله إدارة ترامب بالنسبة لإيران.وهل كان متوقعاً أن يسعى خامنئي إلى تعزيز فرص فوز مرشح متشدد يدير ظهره للاتفاق النووي ويمنح فرصة ثمينة للإدارة الأمريكية كي تتملص من هذ الاتفاق، الذي تصفه بأنه "أسوأ اتفاق في التاريخ"؟ من الصعب الاقتناع بذلك، لاسيما أن الاتفاق قد منح لإيران "قبلة الحياة"في العودة إلى الساحة الدولية، على الأقل فيما يتصل بالعلاقات مع الدول الأوروبية!
فوز روحاني بولاية رئاسية ثانية يمثل رسالة إيران للبيت الأبيض في نفس يوم وصول الرئيس ترامب إلى الرياض في اول جولة خارجية له بصفته رئيساً للولايات المتحدة وقد وضعت إيران في صدارة أهداف هذه الجولة، حيث بادرت واشنطن إلى تجديد مطالبها من روحاني في ولايته الجديدة حيث أكدت على لسان وزير الخارجية ريكستيلرسون القول بأن الولايات المتحدة تأمل "أن يستخدم روحاني ولايته الجديدة لتفكيك شبكة الإرهاب ووضع حد لبرنامج الصواريخ الباليستية".
أجواء الارتياح التي بدت في ردود الأفعال الأوروبية تجاه فوز روحاني هير مؤشر قوي على نجاح استراتيجية خامنئي الرامية إلى إرسال رسالة "طمأنة"للعالم الخارجي، واستكمال مشوار "الملف النووي". فما كان يهم الملالي في هذه الانتخابات هو نسب الاقبال على التصويت وليس فوز روحاني فقط، والاحتفاء الأكبر، كما تبدو ردود أفعال قيادات النظام الإيراني، تركز على معدلات التصويت غير المسبوقة، فالنظام الإيراني كان يسعى بالأساس إلى الحصول على "شهادة جدارة"شعبية بغض النظر عن هوية الفائز بالانتخابات، وهي شهادة تدعم موقف النظام في مواجهة الضغوط الخارجية المتزايدة التي يواجهها، والتي يعتقد البعض أنها تستهدف النظام ذاته.
حصل الملالي على ما يريدون في هذه الانتخابات، وهي "شهادة الثقة"من الناخبين الإيرانيين، فلم يمتنع الناخبون عن المشاركة في التصويت استجابة لدعوات المعارضة الإيرانية بالبقاء في منازلهم يوم الانتخابات، وهذه بحد ذاتها نتيجة سعى إليها الملالي بقوة!!
ثمة سؤال آخر يقول: كيف يمكن للملالي التضحية بإبراهيم رئيسي وهو أحد مرشحيهم البارزين لخلافة خامنئي؟ والجواب أن المسألة تتعلق بالأساس بحسابات المرشد ذاته، ومن يراه مناسباً لمستقبل النظام ككل، وروحاني هو الآخر ليس بعيد عن كرسي المرشد، بل هو مرشح قوي له، وربما يرى فيه خامنئي ضمانة قوية للحفاظ على مصالح النظام، بل ربما يرى خامئني أن من المجازفة منح رجال الحرس الثوري واتباعهم، ومنهم رئيسي، تفويضاً كاملاً في الداخل والخارج، بما يجلب على إيران الأزماتالتي قد تنتهي بسقوط النظام، حيث يدرك المرشد أن الاستجابة لنبض الشارع الإيراني في اختيار رئيس من بين مرشحين ينتميان إلى الملالي، ولا فارق بينهما من ناحية مصلحة النظام، يصب في مصلحة النظام ويمنع حدوث غضب شعبي قد يلاقي دعماً من الخارج في هذا التوقيت الحساس!! وعلينا أن نتذكر جيداً أن المرشد هو من أعطى الضوء الأخضر لروحاني لتوقيع الاتفاق النووي على الرغم من الرفض الشديد للحرس الثوري، ما يعني أن لكل طرف حساباته فيما يخص مصلحة النظام ككل، حيث يفترق الجمعان، وعلينا أيضاً أن نتذكر أن المرشد الحالي يسير على نهج سلفه خامنئي، الذي "تجرع كأس السم"، بقبول توقيع الاتفاق مع العراق حفاظاً على نظام الملالي.
استمرار روحاني إذا هو استمرار للعبة تقاسم الأدوار في السياسة الإيرانية، داخلياً وخارجياً، وهي لعبة يجيدها النظام جيداً ويمسك بأطرافها المرشد ذاته، كما تباعدت فرص الحرس الثوري ورجاله الأكثر تشدداً في الجلوس على كرسي المرشد بعد رحيل خامنئي، وبات روحاني رئيساً لكن ليس على خلاف رغبة المرشد ولا رغم أنفه كما يعتقد الكثيرون!!